لم يكن يوم الرابع والعشرين من تموز يوليو، يوما عاديا في تاريخ السياسة العراقية الحديثة، حين أعلن عمار الحكيم تخليه عن رئاسة المجلس الأعلى الإسلامي العراقي اعرق الأحزاب العراقية، والتي تسنمها خلفا لوالده السيد عبد العزيز الحكيم، شقيق المؤسس السيد الشهيد محمد باقر الحكيم .
خطوة لم يتخيلها احد من مراقبي الشأن السياسي العراقي، أن يقدم رئيس حزب سياسي على التنازل عن رئاسة حزب اقترن تاريخه باسم عائلته، طوال 45 عاما منذ تأسيسه عام 1982، وشكل ذلك صدمة للجميع، حتى للذين كانوا على خلاف مع الحكيم عكسته رسائلهم في اللحظات الأخيرة، التي تطالبه بالعدول عن قراره،والجلوس الى طاولة النقاش للوصول الى حلول، لكن الأمر أصبح حقيقة، حين اعتلى الحكيم المنصة معلنا تأسيسه لتياره السياسي الجديد، تيار الحكمة الوطني .
عكس قرار التخلي حجم الخلاف والهوة، التي كان يعانيها السيد الحكيم مع أعضاء هيئة القيادة للمجلس الأعلى، حين تركوه منذ سنين ينوء بالحمل لوحده، ووقفوا على التل تجاه العواصف السياسية التي كانت تضرب أطنابه، متذرعين بذرائع شتى أوهنت بيت المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، فتارة يبررون ذلك بموجبة الشباب، التي اجتاحت صفوف المجلس الأعلى وصارت تزاحم شيوخه، وتارة مدعين أن المجلس الأعلى يجب أن يكون برئاسة فقيه متصدي للعملية للسياسية، وهم أنفسهم أعلنوا أنهم اختاروا عمار الحكيم، لرئاسة المجلس بمحض إرادتهم فما حدا مما بدا، ثم انتهت أعذارهم بان الحكيم همش تأثيرهم داخل أروقة التيار وسلب منهم القرار، وكأنهم يريدون منه أن يطوف على بيوتهم، بعد أن امتنعوا عن حضور الاجتماعات الخاصة بقادة المجلس .
مشاكل استشعر الحكيم إنها غير قابلة للحل، وأنها ستجعل المجلس الأعلى كيانا جامدا، وسط الأحداث السياسية الجديدة، فأيام المعارضة في الثمانينات والتسعينات تختلف عما حدث بعد عام 2003، وتصدي هذه الأحزاب بعقل المعارضة لإدارة الدولة، الأمر الذي ولد مشاكل جمة، انعكست على الواقع السياسي والاجتماعي العراقي، وبالتأكيد فان عراق ما بعد داعش، سيختلف اختلافا جذريا عن عام 2014، وهو يتطلب كيانات سياسية متحركة تحمل فكرا سياسيا جديدا، لديها المرونة والقدرة على التحرك في كافة صفوف المجتمع، الذي يشكل الشباب غالبيته العظمى، وهم أيضا يشكلون الغالبية العظمى من تيار الحكمة الوطني .
لذلك ارتقى الحكيم مستندا على ارثه التاريخي والدعم الجماهيري، معلنا تخليه عن ارثه القديم، رافعا شعار التغيير والتجديد بما تستحقه متطلبات المرحلة المقبلة، والانفتاح على كافة شرائح الشعب العراقي بكل مذاهبه وقومياته ودياناته، وكعادته وضع خيار الاعتدال والوسطية شعارا له، وبالتأكيد فان نجاح الحكيم في رئاسة المجلس الأعلى والتحالف الوطني العراقي، سينعكس إيجابا على تياره الجديد، الذي سيكون مؤسسة كبيرة لها دورها في الشأن السياسي العراقي .
ثامر الحجامي