على مدى الأشهر الأربعة الماضية ساهم مرض الكوليرا في تفاقم الأزمة اليمنية، حيث وصفته الأمم المتحدة بالأسوأ عالميًّا، وتفيد التقارير أنه يظهر حوالي 7 آلاف حالة جديدة يوميًّا، ومنذ إبريل وصل عدد حالات الإصابة إلى 436.625، وتوفيت 1.915 حالة.
يعد وباء الكوليرا أكثر المآسي الإنسانية انتشارًا في اليمن، حيث يحتاج ثلث سكان البلاد إلى المساعدات العاجلة، بعدما انهار قطاع إنتاج الأغذية، وعرض 4.5 مليون طفل وامرأة حامل ومرضعة لخطر سوء التغذية الحاد.
تعمل فقط 45% من المرافق الصحية في اليمن، ويفتقر 14.8 مليون شخص للرعاية الصحية الأساسية، وهناك حاجة ماسة لإيصال مياه الشرب النظيفة وخدمات الصرف الصحي في البلاد.
تنتشر الكوليرا، وهي عدوى بكتيرية، عن طريق المياه الملوثة التي تحتوي على البراز، ويمكن منع انتشارها بسهولة وكذلك علاجها، وكان أول ظهور للكوليرا في دلتا الغانج في عام 1817، وأسفرت عن مقتل الملايين على مدى 150 عامًا.
أكدت هيئة الأمم المتحدة ووسائل الإعلام الغربية مثل “بي بي سي”، ونيويورك تايمز وغيرهما أن الصراع الممتد في اليمن منذ عامين كان بيئة خصبة لظهور الكوليرا وتفشيها. هذه الحجة قد تكون صحيحة، ولكنها جزء صغير من القصة الكاملة.
بدأت الحرب الأهلية اليمنية في سبتمبر 2014، حين سيطر أنصار الله على العاصمة اليمنية صنعاء (شمال اليمن) بمساعدة من الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، وقام نظام عبد ربه منصور هادي بإنشاء حكومة موازية في مدينة عدن جنوب اليمن.
تقود السعودية تحالفًا منذ مارس 2015 للحرب في اليمن، وهي تشن ضربات جوية، وتحاصر اليمن جوًّا وبحرًا وبرًّا، وتساعدها في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا بالدعم اللوجستي والمعدات العسكرية، كما تتهم السعودية إيران بمساعدة أنصار الله، رغم عدم وجود أدلة دامغة على هذه الاتهامات، والتي يرفضها أنصار الله وطهران.
قُتل ما لا يقل عن 10 آلاف شخص، وأصيب 40 ألفًا آخرون جراء الصراع، ويتهم الجانبان بعضهما بقتل المدنيين وانتهاك القانون الدولي، ولكن التحالف السعودي ألحق باليمن أضرارًا جسيمة نتيجة المعدات المتقدمة التي يستخدمها.
وشنت القوات الجوية السعودية هجمات عشوائية تسببت في مقتل معظم المدنيين وإصابتهم أثناء الصراع، واستهدفت الغارات الجوية البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات والمزارع والمدارس والبنية التحتية للمياه والأسواق والميناء الرئيسي في الحديدة، وتسبب ذلك في نقص العديد من المواد الأساسية، بما في ذلك الغذاء والوقود والإمدادات الطبية.
لم تدخل طائرة المساعدات الطبية الأولى إلا بعد مرور أربعة أسابيع من هبوطها في مطار صنعاء، وتفشي المرض، كما أن الموظفين لا يحصلون على رواتبهم منذ عام.
تنتشر حالات الكوليرا في المناطق التي يسيطر عليها أنصار الله نتيجة الحصار السعودي المفروض عليها، حيث إن 80% من حالات الوفاة تتركز بها.
تصل حالات الإصابة في المناطق التي يسيطر عليها أنصار الله إلى 1000 مقارنة بـ10 في المحافظات الأخرى، أما نسبة الوفيات في مناطق أنصار الله فـ 0.46% مقابل 0.3% في المحافظات.
سكان المحافظات التي يسيطر عليها أنصار الله معرضون للإصابة بالكوليرا بنسبة 70%، في مقابل 50% في المحافظات الأخرى.
تشير هذه الأرقام إلى أن الكوليرا ظهرت نتيجة الحرب الأهلية، وهي نتيجة مباشرة لاستراتيجية التحالف الذي تقوده السعودية لاستهداف المدنيين والبنية التحتية التي يسيطر عليها أنصار الله.
الانتقادات الموجهة لبريطانيا وأمريكا لدعمهما التحالف السعودي لم تؤدِّ إلى تغيير سياسات البلدان الثلاث، وفي ديسمبر 2016 حظرت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، بيع قنابل أمريكية للسعودية خوفًا من استخدامها ضد المدنيين في اليمن، ولكن في مايو 2017 سمحت إدارة دونالد ترامب ببيع أسلحة أمريكية للرياض، كجزء من صفقة تبلغ 110 مليار دولار.
فشلت جهود الحزبين الديمقراطي والجمهوري لوقف عمليات بيع الأسلحة للسعودية، وقد رفضت المحكمة العليا البريطانية ادعاءات نشطاء حقوق الإنسان بأن الحكومة تتصرف بشكل غير قانوني لبيعها أسلحة للسعودية تستخدمها لقتل المدنيين في اليمن، وبالتالي في ظل غياب الإدانة الدولية القوية للعمليات التي تقودها السعودية، من الصعب توقع نهاية سريعة لهذه الحالة الصحية الطارئة والإنسانية واسعة النطاق.
بقلم : ريهام التهامي