ما بين النهروان والموصل 1400 عام من المواقف المشرفة والإنسانية لأتباع الحق علي بن ابي طالب عليه السلام، قراءة لموقف أمير الانسانية والخلود الرحماني مع الخوارج بعد معركة صفين في النهروان ومع موقف المرجعية الدينية العليا والمتشرفة بسماحة السيد السيستاني دام ظله لخوارج العصر الإسلامي الحديث في الموصل .
القارئ للتاريخ الإسلامي حين يمر بمواقف الإمام علي عليه السلام لا يكاد أن ينضب في متابعةِ تلك المواقف المُشرفة والدروس العميقة في الإنسانية، رغم إساءة بعض الفئات الظالة والمُسيسة في ظل السياسات الحاكمة آنذاك وإنحدارهم الدنوي والأخلاقي إلا ان علي عليه السلام لم تثنيه وتغيرة عن وتيرة الرسالة المحمدي وأستخدم مع مبغضية مجمل الطرق والمحاولات عسى ولعل أن يردُ عن طغيانهم وأن يضرب لنا خير الأمثلة في الإنسانية والإدارة الناجحة لدفة الأمور التي تتعلق بقتل أنسان أو إعلان الحرب .
كان لمعركة النهروان من المواقف الجلية والمشرفة في حضرة الإمام علي عليه السلام ومن معالي الصبر والحكمة في التصرف ما لا يقاس له نظير، في تعاملهِ مع الفئة الظالة التي خرجت بعد أتفاق معركة صفين بقول " (لا حكم إلا لله) " ونحن لا نرضى للرجال ان تحكم في دين الله .
فبعد تهويلهم وكذبهم وتلفيقهم لشركِ معسكر الإمام والدعوة إلى إستباحة دمائهم، لم يرد عليهم الإمام علي عليه السلام بنفس الإساءة ولم يعترض لهم بل أعطاهم الفرصة عسى أن يعودوا إلى الرأي السديد، وأستمروا بعنادهم وبطشهم حتى قتلوا الصحابي الجليل عبد الله بن خباب وبقروا بطن زوجته وهي حامل، وقتلوا نساءً من قبيلة طي، فأرسل إليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) الصحابي الحارث بن مرة العبدي، لكي يتعرف إلى حقيقة الموقف غير أنهم قتلوه كذلك، ورغم كل هذا التهور اللا إنساني إلا أن الإمام لم يفقد شيء من قيمه ومبادئة الإنسانية وأستمر بمعاملتهم بهذا المبدأ، فلما علم بن أبي طالب عليه السلام بالأمر تقدم نحوهم بجيش من منطقة الأنبار وبذل مساعيه من اجل إصلاح الموقف دون إراقة الدماء، فبعث إليهم أن يرسلوا إليه قتلة عبد الله بن الخباب والحارث العبدي وغيرهما وهو يكف عنهم ولكنهم أجابوه: أنهم كلهم قاموا بالقتل .
ولم يكتفي بهذا عليه السلام حتى راح محاولًا من جديد عسى ان لا تسفك الدماء ويراق دم المسلمين خصوصا وأن أكثرهم قد غلب على امرهم وسولت لهم أنفسهم بما اغروا به .
ثم أرسل إليهم الصحابي قيس بن سعد فوعظهم وحذّرهم وطالبهم بالرجوع عن جواز سفك دماء المسلمين وتكفيرهم دون مبرر مقنع، وتابع الإمام موقفهُ الإنساني فارسل إليهم أبا ايوب الانصاري فوعظهم ورفع راية ونادى : مَنْ جاء تحت هذه الراية ــ ممن لم يقتل ــ فهو آمن ومن إنصرف إلى الكوفة أو المدائن فهو آمن لا حاجة لنا به، وما زالت المفاوضات جارية من قلبٍ ملئ بالرحمة والمغفرة والإنسانية رغم أنه كان بإستطاعتهِ أن يخسف بهم الأرض منذ بداية الأمر .
بعد ذلك بقي في جيشهم ما يُقارب الأربعة آلاف معاند وحاقد أستعدوا واعدوا العدة للهجوم على معسكر الإمام عليه السلام وحتى هذه اللحظة ما زال عليًا مُتمسكٌ بمواقفهِ الإنسانية وهو يخبر أصحابهُ بالكف عنهم حتى يبدأوا هم بالقتال فلما بدأوا بقتال جيش الإمام شدّ عليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بسيفه ذو الفقار ثم شد أصحابهُ بعزم الغيارى الميامين كيف لا وهم جند يعسوب الدين فأفنوهم عن آخرهم إلا تسعة نفر فرّوا ، وتحقق الظفر لراية الحق وكان ذلك في التاسع من صفر سنة 38 هـ.
لمثلِ هذه المواقف من العبر والدروس التي دأبت مرجعيتنا الرشيدة والمتمثلة بسماحة المرجع الاعلى السيد السيستاني دام ظله لتطبيقها والعمل بها والحث عليها من خلال التوجيهات والخطب الدينية والإرشادية المستمرة ومنذ العصر الجديد الذي يمر على العراق أبان سقوط الظلم والطغيان، وهذه المواقف الحكيمة للمرجعية الدينية جعلتها تواجه ما واجهه الإمام علي عليه السلام من ظلم واضطهاد وحرب سياسية ودينية للإطاحة بمركزية الإمام في قلوب المسلمين آنذاك وبالفعل هذا ما اتخذهُ البعض محاولين الإطاحة برمزية المرجعية الدينية بعد تصدرها في قلوب المؤمنين وأعتبارها الواجهة الأولى والمحرك الأول للمواقف المدنية والشعبية المسالمة وكل هذه الأحداث تحتم على الواقع أن يخلق من الأعداء والمنافقين ولم يخلو الأمر من خطط الغرب واحقاد اليهود في هدم كل الصروح الدينية التي من شأنها أن تنمي العقيدة الحقيقة للمذهب الإسلامي .
كانت ذروة هذه المحاولات والتي بائت أكثرها بالفشل لصمود المواقف المشرفة وتمسك الولائيين بالمرجعية الدينية، في العمل على تكوين مجاميع مشردة ومضيعه ومتلاعب في أساسيات الدين والمذهب في داخلهم، تشبهُ تمامًا تلك الفئة الظالة التي خرجت للإمامِ علي عليه السلام في معركة النهروان ولكن هذه المرة قبلوا برجل أن يحكم بدين الله بطريقة تُرضي أسيادهم تجار الحروب كان "ابو بكر البغدادي" قائد هذا الجيش المتخاذل والمسلوب من مبادئ الأنسانية والرحمة التي جاء بها الإسلام الحنيف وتخلق بها نبي الرحمة محمد صل الله عليه واله وسلم والإمام علي عليه السلام.
تجمهر هذا السرب الأسود من شراذم القوم وأفسدهم خلقًا وأخلاقًا وفي زمنًا كانت به دفة الحكم تدار بيد بعض المتخاذلين من سولت لهم أنفسهم أن تُبدل القيم الإسلامية والإنسانية بملذات الدنيا، أستمر نزاعهم بوقفاتٍ كانت تُندد بالمرجعية العليا وكل من يمثل الإنسانية والإسلامية الصادقة وبداعي فساد الحكام واضطهادهم من قبل هذه الحكومات المتعاقبة، رغم كل العقبات التي حاولوا أرضاخ مبادئ الإمام علي عليه السلام في النهراون وجرها لمجراهم المخزي بجبين الإنسانية والرسالة المحمدية بذات العقبات والحجج الهاويه حاولوا جر المرجعية الدينية كانت رسُل المحبة والسلام التي يرسلها علي عليه السلام تُقتل في النهروان وفي زمن المرجعية كانت تُذبح وتقتل جماعًا وكانت تُفجر الرموز وتباد وهذا ما حصل حين فجر مرقد الإمامين العسكريين عليهم السلام في سامراء أذ واجه هذا الفعل الشنيع بوقفة مشرفة ومرفرفة في مضمار الإنسانية تسجل بماء الذهب في صفحات التأريخ للمرجع الاعلى السيد علي السيستاني دام ظله وهو يكتض بحنكته وحكمته على رأس الفتنة ليرسم بها مسارا للمودة والألفة والتقارب كان يُقابل فتاوي القتل بأقواله المشهورة (( " لا تقولوا اخواننا السنة بل قولوا أنفسنا " ، ليس لي أمنية إلا أن أرى العراقيين سعداء " ، " إن حفظ أرواح المدنيين أهم من مقاتلة العدو " )) .
كل هذه المواقف المشرفة أن استرجعناها للتأريخ وقورنت مقارنة منصفة نجد لها مثيل وشبيه متمثلاً بالطريق الحق الذي سرى عليه محمد وال محمد صلوات الله عليهم ، سنين وهم يهتفون ضد كل الرموز المدعاة للإسلام الأصيل والدين الحنيف والرسالة الإنسانية وسنين وهو يكظم غيضهُ برسائل كان أوجها عطرًا للسلام حتى وصل بهم الزبى أن يعيثوا فسادا وأن يصلوا بفسادهم وصل الهتك بمبادئ الاسلام والإنسانية وإلا هذه الحظة كانت المرجعية تحاول لحل الأمور وتبيان المواقف عسى ان يَكُف المُسيّرة عقولهم بأكاذيب وبدع لا وجود لها، وكأن المرجع الأعلى بهذا الصبر وهذه الرسائل أن يخبر جنوده وجنود العراق بالكف عنهم والإبتعاد عن قتالهم قدر الإمكان .
وجاءت اللحظة التي شد القوم بها على الهجوم وإعلان الحرب والقرب من مدن الآمنين في ديارهم حينها كان لابد أن يسل للمرجعية ذو الفقار يُردَ بهِ عن أمن المواطنين وارجاع هيبة العراق التي فقدت بهذه العصابات المتطرفة وما هي إلا ساعات حتى أعلن في ذلك اليوم عن فتوى للجهاد كانت تحمل كل مضامين العدالة حتى في إسمها جاءت بطريقة كفائية إكتفت بمعادلات البطولة والفداء وضمن توجيهات دينية مرجعية بحته في التعامل الإنساني وأذكر بعضها والتي وجهت في موعد الفتوى (( ان الله تعالى كما ندب الى الجهاد وجعله دعامة من دعائم الدين فقد جعل عزوجل له حدوداً واداب لابد من مراعاتها ويلزم تفقهها والعمل بها فمن رعاها حق رعايتها كان له الاجر العظيم والفضل لجهاده ومن أخلّ بها احبط من اجره ولم يبلغ بالجهاد الامل المرجو منه، الله الله في حرمات عامّة الناس ممن لم يقاتلوكم، لاسيّما المستضعفين من الشيوخ والولدان والنساء، حتّى إذا كانوا من ذوي المقاتلين لكم ، فإنّه لا تحلّ حرمات من قاتلوا غير ما كان معهم من أموالهم. وقد كان من سيرة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه كان ينهى عن التعرّض لبيوت أهل حربه ونسائهم وذراريهم رغم إصرار بعض من كان معه ـــ خاصّة من الخوارج ــ على استباحتها وكان يقول : ( حارَبنا الرجال فحاربناهم ، فأمّا النساء والذراري فلا سبيل لنا عليهم لأنهن مسلمات وفي دار هجرة ، فليس لكم عليهن سبيل ))
فشد المقاتلين والمجاهدين شدة جيش علي بن أبي طالب يوم النهروان وأزر نصرهم وأيد بتأييد السماوات لما كان يحمل من مبادئ أيقضت في نفوس المبغضين ، أن للعراق مرجعية لا يستهان بها وان للإسلام المحمدي الحنيف رجالاً يُلاذ بهم في الشدائد وما بين النهروان والموصل كانت للرجال مواقف في البطولة والفداء والإنسانية .
مصطفى محمد الاسدي - العراق