بينما كنت اقرأ رواية " مرايا الضرير" التي كتبها الاستاذ الجامعي والروائي "واسيني الاعرج" والمولود في شمال غرب الجزائر، وقع بصري على مكان اسماه الكاتب "النقطة صفر" ووصف الراوي هذا المكان قائلا: ان "آدم" الذي طرد من الجنة قد سقط في هذا الجزء من الصحراء، واسماه النقطة صفر لان "ادم" عليه السلام قد انطلق من هذا المكان بحثا عن حواء التي سقطت في الرابع الخالي، صرت ابحث عن ماهية هذا المكان، فالبعض وصفه كمكان تتمركز فيه الطاقة الكونية على وجه الكرة الارضية، والبعض كتب عنه بانه موقع قديم قدمِ العالم، ومكان شبه مقدس، وهو في طلاق دائم مع الحياة، في صحراء حدود عدة دول.
في الوقت الذي كنت فيه اتمتم بكلمات الرواية، دق ناقوس الذكريات، ورسم قلم مخيلتي صورة مقارنة خيالية قارنت فيها بين الابن واباه، فالاب راح يبحث عن حواء والاخر راح يبحث عن حبيبته الشهادة.
ذلك الاسمر البدوي، فاتح البشرة، بعينان اختلط فيهما بؤبؤ العين بمائها فكانتا اشبه بحبة زيتون سوداء قد سقطت في اناء من شراب الرمان، يدان قد محيت بصمات الاصابع فيها، وشق نهر الفرات طريقه في راحتيها، فبانت سنين يوسف وعجاف الايام عليهما، شفتاه المتيبستان وقد غطاهما شاربه كأنه عيدان سنبل لم يحن موسم حصادها.
من بين الاخلاء والاصحاب ومن بين الوالد والمولود، انسحب كظل هارب من شمس صفراء ومعدنية تخترق غيوما كثيفة وثقيلة، بداخل ذلك القلب يقطن الموت بجوار الحياة، سار وذرات الغبار تلتصق بنعليه كأنها تحاول منعه من الذهاب، انطلق وصورة آدم تتجلى فيه، فحبيبته قد سقطت في مكان مجهول،
قد علم مالم يعلمه العلماء، وابصر مالم يبصره المستبصرون. من لا يفهم مدى امتلاء التاريخ باحداث العنف والقسوة والحيلة وكم هو عبثي، فلن يستطيع ان يفهم ان الامر يعود اليه، الى اندفاعته الذاتية في ان يمنح معنىً للتاريخ.
هناك بين اشجار الحدباء ومآذن الموصل، في القرى المتناثرة البيوت كان يسمع صوت حبيبته، كان يراها بين طفلا مذبوح وشرفاً مغتصب، بين مياه النهر التي اختلطت بدماء الشهداء، راى حبيبته الشهادة وقد اعدت عدة الزفاف فرافقها بسراج النصر، كان المهر رصاصة تخترق قلبه، او انفجار يقطع اشلائه، يامن بقربك مر الحياة يطيبُ، طابت نفسه واعتزل اهله بجوار خالقه، فليلة زفافه قد دقت اجراسها وانحنى عيسى المسيح تقديرا، مباركا لشجاعته.
امجد العسكري