ايام قليلة تفصل العراق عن استفتاء اقليم كردستان، او حق تقرير المصير كما يحلو للكرد تسميته، حدث جاء به حلم الشعب الكردي حتى اصبح اليوم واقع نعيشه، مع اقتراب تحقيقه زادت حدة الرفض له، لم يعد ذلك الامر مقبولا لدى العالم اجمع.
عندما اعلن رئيس الاقليم عن اجراء استفتاء للانفصال عن العراق، وانشاء دولة كردية رسمت حدودها بالدم كما قال، نالت دعواته الرفض منذ اللحظات الاولى التي تلت الاعلان، فلم تستسغ حكومة بغداد اولا ذلك القرار، ثم تعاقبتا الجارتان تركيا وايران الرفض وعدم قبولهم الامر، لما يحمله من بعد يهدد بانفصال اكراد تلك الدول و انضمامهم لتلك الدولة، وبعد ان لمس قائد الحراك عدم قبول الأعم الاغلب بمشروعه، غادر مسرعا لكسب ود الاتحاد الاوربي و تعاطفهم مع شعبه وتحقيق الحلم.
كان الرد صادما برفض اوربا مشروعه، لم يبق الا الولايات المتحدة الامريكية الرافضة هي الاخرى، لكن استمرت المحاولات مع امريكا في امل كسب رضاها، الى ان يأس الكرد منها، وفي نهاية هذا المطاف بقى البارزاني وحيدا في بداية الطريق، لم يصل حتى الى منتصف مسيرته تلك، ولم يزده ذلك الا تعنتا بقراره و مضيه الى الاقتراع في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر ايلول الجاري، رغم تضيق الخناق عليه ورفض العالم برمته لهذا الانفصال، والحديث يدور خلف كواليس مسلسل الانفصال بان نأجله من خلال البرلمان كي نحفظ ماء وجوهنا.
لكن لازال حوار الكواليس غير معلن عنه الى اليوم، حتى بعد ابلاغ موفد ترامب و ابو الغيط ضرورة التأجيل او الإلغاء، فهدف الاستفتاء الاول "كركوك" بأن تتبع لهم من اجل نفطها، فقصدها بعد موجة من الرفض البارزاني حاكما سيطرته العسكرية عليها، والغريب بان اغلب الشيوخ العرب فيها هتفوا مؤيدين له و داعمين للاستفتاء، فزاده ذلك عزة ورفعة وقوة سيطرة على محافظتهم، ومن هناك اعلن استمرار الاستعدادات للانفصال، و دعى الجميع للتصويت بنعم، متجاهلا كل دعوات الرفض متناسيا تركيا المتضرر الاول وقوة ردها والعراق و أراضيه التي ستجتزء لو نجح باستفتائه.
أعقبه رئيس الوزراء بزيارة الى اقصى الجنوب، حيث حل ضيفا في ذي قار، وبعث برسائل عدة خلال خمس اجتماعات مختلفة عقدها، مع حكومة و نخب وشيوخ من هذه المحافظة، وفي كل مرة يجدد رفضه القاطع لعملية الانفصال، وقوله بعدم دستوريته وخصوصا بعد تصويت مجلس النواب على رفضه ومجالس بعض المحافظات التي شملت به بدون علمها، وكأنه يقول من اقصى الجنوب ان اقصى الشمال الحبيب لن نفرط به بسهولة، فمن خلال كل ذلك و موجة الرفض التي لم تكد ان تنتهي، لازال مسعود مصرا على المضي قدما نحو حلم الدولة وهو امبراطور لها.
النتيجة من كركوك جدد الكرد موقفهم المضي قدما نحو الخروج من العراق، ومن ذي قار يجدد العراق متمثلا بالعبادي رفضه خروجهم و تمسكه بهم، و المختفي الوحيد في هذا المعترك هو حامي سيادة العراق و أرضه، رئيس الجمهورية فؤاد معصوم فهو بين نارين وكأن لسان حاله يقول "لا بيه أعوفن هلي و لا بيه أعوف أهواي".
نور الدين الخليوي