لا يخفى على أحد من العراقيين إن – أغلبية - الإعلام في العراق غير خاضع لأي قوانين ونظم ومعايير مهنية, وإنما يخضع لمعايير الانتماء والولاء الحزبي والسياسي والدولي ويتعامل مع الأحداث وفق منظور ضيق يتماشى مع رؤيته الحزبية والسياسية, وهذا ما يجعل نقل الأحداث التي تحصل في المشهد العراقي يكون متباين بدرجة كبيرة, فمع حدث معين يكون هناك ترويج وتطبيل إعلامي منقطع النظير بدرجة تؤثر بشكل كبير في الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي, بينما يتعامل مع حدث آخر بسطحية وبلادة لدرجة إن هذا الحدث والذي يهم شريحة أوسع يكون مهمشاً ولا يتفاعل معه سوى عدة أشخاص.
ولنا في قضية ومأساة النازحين العراقيين خير شاهد, فمع وجود الأعداد الهائلة من النازحين والتي وصلت للملايين وعلى الرغم من كثرة معاناتهم وكثرة تعرضهم للموت بسبب التقلبات الجوية ومن الجوع ومن العطش ومن سوء الخدمات بالإضافة لتعرضهم لعمليات القتل والتصفية وبطريقة ممنهجة وعلى أساس قومي وديني وطائفي وفئوي وحزبي وبشكل يومي إلا إن كل تلك الجرائم التي يتعرض لها النازحون لا يتم التعاطي معها إعلامياً إلا بشكل خجول جدًا في بعض الحالات التي تتماشى مع رغبة وسائل الإعلام وأهدافها ومصالحها, بينما نجد إن الإعلام يتعامل بشكل كبير مع الحالات الفردية التي تحصل في أماكن خارج مخيمات النزوح, كعمليات الاغتيال أو الخطف أو السرقة وغيرها من الحالات.
فعلى الرغم من إن الطرفان هم ضحايا لكننا نجد هناك تفاوت كبير في التعامل معهم من الإعلام المسيّس, كما عبر عن ذلك المرجع المحقق الصرخي في إحدى محاضراته, حيث قال:
{{... الآن عندما يحصل اعتداء على شخص خمار أو على محل أو على مكان فيه المنكر ويحصل نفس الفعل على محل آخر ليس فيه المنكر مثلًا مكان عام أو سوق أو مسجد فنلاحظ ردود الفعل من الناس والإعلام والمسؤولين تتفاعل مع مَن؟ الآن الملايين من النازحين والمشردين والجوعى والعراة والمرضى من العراقيين ومن غيرهم ومن المسلمين ومن غيرهم مَن يتأثر بهم وعليهم؟!! مَن ينظر إليهم؟!! مَن يذكر هؤلاء في مقابل ما يحصل من فعل في هذا الملهى أو في ذاك الملهى؟!! في هذا المكان الذي فيه المنكر أو في ذاك المكان الذي فيه المنكر؟!!, لاحظ كيف يتعامل الإعلام مع هذه القضية ومع تلك القضية، مع هذه القضية الفردية والأعداد القليلة ومع تلك الأعداد المليونية، فإذا كانت هذه جريمة وهذه جريمة فلماذا يتم التعامل مع هذه بأضعاف ما يتم التعامل مع الأخرى بالرغم مِن أنّ الاجرام بحق الأخرى لا يُقارن لأنّ العدد ملايين من الضحايا وهناك أفراد أو عشرات الضحايا، والجرائم والإبادات تقع على هؤلاء الملايين باستمرار وعلى مدار الساعة بل والدقيقة والثانية, وهنا تحصل حالات نادرة، إذن لماذا يتم التعامل مع هذه بصورة تختلف عن هذه ونسمع كلّ الإعلام والمسؤولين يستنكرون هنا ويسكتون عن الأخرى، إذن هذه القضية لها بعد وعمق تاريخي اجتماعي إداري وما يرجع إلى غير هذه العناوين...}}. إنتهى كلام المحقق الإستاذ.
فمادام أغلبية النازحون العراقيون يمثلون طائفة أو مذهب على غير مذهب وطائفة الجهات المسيطرة على الإعلام ، فإننا نجد الإعلام لا يتعامل مع مأساتهم ومعاناتهم بشكل يتلائم مع حجم تلك المعاناة!! , والعكس صحيح !!, وكل ذلك يحصل بعيداً عن الشعور بالروح الوطنية والتعامل مع النازحين العراقيين على إنهم أبناء بلد واحد ونتشارك معهم الأرض والسماء والماء والثروات والمصير والتاريخ والحضارة والدين, ويوجد هناك سببٌ آخر مهمٌ في التعامل مع قضية النازحين وهو الجانب المادي ، فلو تم تسليط الضوء بشكل كبير على معاناة النازحين لكان هناك ضغط كبير من قبل الشارع المحلي والدولي لحل هذه الأزمة .
بقلم : احمد المـــلا