تشهد الساحة الموريتانية، منذ أيام، جدلا سياسيا واسعا، عقب تصريحات للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز؛ أعلن من خلالها صراحة عزمه تعديل دستور البلاد وإلغاء مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية في البرلمان)، كما تحدث أيضا عما أسماه "التكاثر العشوائي" في البلد، وهو ما أثار اتهامات للرئيس بالعنصرية حيث اتهم باستهداف شريحة الأرقاء السابقين.
وقد اعتبر عدد من قادة المعارضة؛ أن قرار الرئيس ولد عبد العزيز تعديل الدستور وحل مجلس الشيوخ، ليس سوى محاولة لتمهيد الطريق أمام ولاية رئاسية ثالثة له، كما أن من شأن إلغاء المجلس؛ خلق إشكال قانوني، حيث ينص الدستور الحالي على أنه في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية يتولاه رئيس مجلس الشيوخ.
من جهته، رأى القيادي بمنتدى المعارضة محمد ولد محمد امبارك، في تصريح لـ"عربي21"، أن النظام بدأ بالفعل التحضير لفرض مأمورية ثالثة للرئيس ولد عبد العزيز.
غير أن سيدي ولد بياده، عضو الأغلبية الحاكمة، اعتبر أن حديث المعارضة وانشغالها بموضوع الولاية الثالثة غير مبرر.
وقال ولد بياده، في حديث لـ"عربي21"، إن حل غرفة مجلس الشيوخ أصبح ضرورة، معتبرا أن هذا المجلس تحول لـ"غرفة تسجيل، وعبء على ميزانية الدولة، ومعرقل لمصالح الناس".
انسداد أفق الحوار
ورغم أن الرئيس ولد عبد العزيز تحدث عن حوار سياسي قال إنه سينطق خلال أسابيع، إلا أن قادة أغلب أحزاب المعارضة أكدوا رفضهم المسبق لحوار ينطلق من الأسس التي تحدث عنها ولد عبد العزيز في خطابه بمدينة النعمه شرق البلاد.
ورأى رئيس حزب "تواصل"، محمد جميل ولد منصور، في تصريحات تلفزيونية، أن أفق الحوار مسدود على ما يبدو، وأن منتدى المعارضة ماض في موقفه المتمسك بـ"لا تمديد ولا توريث". وقال إن عود المعارضة أكثر صلابة من أي وقت مضى، وأن تجاوزها لن يتم بسهولة، بحسب قوله.
من هم أعداء الوطن؟
وتبادل عدد من قادة الأحزاب والسياسيين الموريتانيين؛ الاتهامات بشأن العمل على تخريب البلد والدفع به نحو التوتر وإشعال نار الفتنة.
وفي هذا السياق، قال قادة في المعارضة خلال مسيرة نظموها السبت في نواكشوط، إن النظام الحالي يسير بالبلاد إلى نفق مظلم، مطالبين بتدارك الوضع قبل أن يضيع الوطن.
لكن رئيس الحزب الحاكم، سيدي محمد ولد محمد، سارع لعقد مؤتمر صحفي، مساء الأحد، دعا فيه المعارضة للمشاركة في حوار سياسي، متهما في الوقت ذاته المعارضين بأنهم "تحولوا لأعداء حقيقيين للوطن"، بحسب وصفه.
خطاب مستفز
كما أثار حديث الرئيس ولد عبد العزيز، الذي تحدث فيه عن ما أسماه "التكاثر العشوائي" في البلد، ضجة واسعة في الساحة السياسية، حيث نظرت إليه أحزاب المعارضة ومنظمات حقوقية موريتانية على أنه إهانة للأرقاء السابقين في البلد، وأنه تصريح مستفز، مبررين ذلك بأن التصريح جاء في سياق حديث الرئيس عن العبودية ومخلفاتها بموريتانيا.
ورأى محمد ولد محمد امبارك، القيادي بالميثاق الوطني من أجل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية لشريحة الأرقاء السابقين، أن حديث الرئيس يعد إساءة مباشرة لشريحة هي الأكبر بموريتانيا، مستغربا في تصريح لـ"عربي21" أن "يهبط رئيس دولة لعبارات كهذه"، وقال إن التصريح المذكور تفوح منه "رائحة العنصرية".
غير أن الناشط السياسي، سيدي ولد بياده، اعتبر أن التصريح أخرج من سياقه، وأنه استغل سياسيا من المعارضة، وقال في حديث لـ"عربي21"؛ إن الرئيس لم يوجه حديثه لشريحة معينة.
وطالبت الهيئات المدافعة عن الأرقاء السباقين بموريتانيا بتحركات لفرض الاحترام والتعايش والانسجام، كما طالبت المجتمع الدولي "باتخاذ أقصى درجات اليقظة في مراقبتهم للقادة الموريتانيين الحاليين، وفي تقريرهم الخاص بإدارة النزاعات التاريخية، وبصفة خاصة جانبها المرتبط بالمساواة والإصلاح".