صيف سياسي ساخن وقوده الصراع حول التناوب على السلطة، هو ما ينتظر موريتانيا الآن بعد أن تجمعت عناصر حرارة هذا الصيف من محطات مختلفة أبرزها مضامين خطاب الرئيس ولد عبد العزيز الأخير الذي هاجم فيه معارضيه بشدة ووصفهم بأعداء الوطن الذين لا مستقبل لهم، وبعد أن واجهت المعارضة هجوم الرئيس بمسيرة مساء السبت عرضت فيها ما تتمتع به من شعبية على مستوى العاصمة وبعد أن هاجم خطباؤها الرئيس بأقذع العبارات وهدد أحدهم باقتحام الرئاسة. وانضافت لهذه المحطات محطة أخرى تنذر بتوتر شديد، هي محطة الخائبين العائدين من متاهات البحث العقيم عن الذهب والذين يحملون الحكومة المسئولية عن تشجيعهم على استثمار مدخراتهم القليلة في التنقيب عن ذهب غير موجود أصلا، والمسئولية كذلك عن خداعها لهم، كما يدعون، لتعتصر منهم مبالغ مالية دفعت للخزانة العامة فخسروها مقابل الرخص والضرائب وجمركة أجهزة الكشف عن المعدن النفيس.
وركزت خطابات قادة المعارضة على انتقاد لاذع لمضامين خطاب الرئيس ولد عبد العزيز الذي ألقاه الثلاثاء الماضي في النعمة، وبخاصة مسألة نفيه الرق وتوجهه نحو تعديل الدستور وإعلانه عن تنظيم حوار بمن سيحضر، مما يدل على أن التناوب على السلطة ما يزال هي مشكلة المسار الديمقراطي في موريتانيا، حيث ظلت الانقلابات العسكرية طيلة العقود الثلاثة الماضية، الوسيلة المفضلة لتبادل الرؤساء على كرسي الحكم.
واستهجن صالح ولد حننه الرئيس الدوري لمنتدى المعارضة بشدة «مضامين خطاب الرئيس ولد عبد العزيز في النعمة، مؤكدا «أنه حمل الكثير من البذاءات والإساءات، وبخاصة الإساءة لشريحة «الحراطين» التي يكفيها ما عانته من ظلم وجور»، حسب تأكيده.
وأعلن ولد حننه «أن المعارضة لن تشارك في الحوار الذي دعا له ولد عبد العزيز إلا إذا كان على أسس ومعايير سليمة، لأنه سبق لها أن خاضت تجارب حوارات فاشلة مع ولد عبد العزيز»، وفق تعبيره. وقال «إن المعارضة قد نفد صبرها إزاء فساد نظام ولد عبد العزيز، وفشله الذريع في تسيير الشأن العام، واحتقاره للشعب الموريتاني».
وأعلن ولد حننه «أن المعارضة بصدد تنظيم لاحق لحزمة من الأنشطة التصعيدية خلال الأسابيع القادمة، وقال «اليوم توقفنا هنا، ولكن لا ندري غدا أين سنتوقف».. وقد لوحظ أن خطاب الرئيس الموريتاني باستهدافه للمعارضة قد دفعها إلى التوحد وضم الصفوف لمواجهة احتمالات، أهمها ما ترى المعارضة، أنه محالاوت من الرئيس محمد ولد عبد العزيز وأنصاره لتعديل الدستور بما يضمن له البقاء في السلطة لأطول مدة ممكنة.
وكانت مشاركة الرئيس الموريتاني الأسبق العقيد علي ولد محمد فال في مسيرة يوم السبت دالة هي الأخرى على أن الطيف الموريتاني المعارض بدأ يستشعر الخطر. وأكد في تصريحات للصحافة على هامش مهرجان المعارضة «أن محاولة العبث بالدستور في وقت تعيش فيه البلاد أزمة سياسية مستفحلة يعتبر مغامرة خطيرة وغير محسوبة العواقب قد تجر الي الفوضى والمنزلقات التي انحدرت فيها دول عديدة في المنطقة أقدمت على نفس الخطوة إرضاء لنزوات الحكام وتعلقهم الأعمى بالسلطة».
«كما يعد العبث البدستور، يضيف ولد فال، انقلابا على أخر ضمانات الديمقراطية والتناوب السلمي التي رسمتها المرحلة الانتقالية 2005-2007 بناء على استفتاء دستوري شفاف جرى وسط إجماع وطني منقطع النظير». وقال «لم يكتفي النظام الحاكم بالانقلاب على أول رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية ومحاولة تشريع تمرده الشخصي بتزوير انتخابات 2009 و2014 بل ها هو اليوم يحاول دق آخر مسمار في نعش الديمقراطية من خلال هدم الأسس التشريعية القانونية لضمان بقاءه في السلطة» .
«واليوم، يقول الرئيس الأسبق، وفي ظل الأزمة السياسية المتفاقمة والتي تهدد بالانفجار خاصة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي فإن أي محاولة للمساس بالمؤسسات الدستورية أو تعديلها تعبر تصرفا فرديا يخدم مصالح شخصية ولا يمت بصلة للقانون أو للمصحة العليا ولن يحظى بأي نوع من الإجماع.»
وتناولت تصريحات الرئيس الأسبق الذي كان أول رئيس موريتاني يسلم السلطة لخلفه المنتخب عام 2007، قضية الحوار التي تشغل المشهد السياسي منذ أشهر فقال «لقد أكدت في أكثر من مرة وخاصة عند الإعلان عن استعداد النظام للحوار أن الهدف من ذلك سيكون بالأساس تفكيك المعارضة وقتل الوقت لا أكثر لأن رأس النظام لن يقبل أبدا بأية حلول توافقية لا تضمن بقاءه في السلطة وهذا ما أكدته التصريحات الأخيرة لرأس النظام التي حاولت رسم مسار سياسي جديد يضمن استمراره في السلطة ولنا أن نتساءل، يقول ولد محمد فال، عن جدوائية حوار سياسي حسمت نتائجه سلفا وأعلنت رسميا لكل الموريتانيين».
ودعا ولد محمد فال في الأخير «المعارضة الموريتانية وكل الخيرين من أبناء البلد إلي رص الصفوف من أجل الدفاع عن الوطن والوقوف في وجه محاولات العبث به بعد أن تكشفت نوايا النظام الحقيقية للجميع وبات الكل يدرك خطورته على كيان البلد وعلى لحمته الوطنية».
القدس العربي