أخذت التصريحات التي أرجع فيها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الثلاثاء الماضي مخلفات الرق في موريتانيا لـ«فوضى التناسل»، أمس مجرى جديدا زاد من حدة الجدل المحتدم حولها منذ أيام. فبعد أن دافع سيدي محمد ولد محم رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم عن تصريحات الرئيس وأكد أنها غير موجهة لشريحة بعينها، وبعد أن حمل في مؤتمر صحافي مساء الأحد محمد جميل منصور رئيس حزب التجمع المحسوب على الإخوان، المسئولية عن إساءة تأويل ما قاله الرئيس، دخلت مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية «إيرا» الناشطة في مجال مكافحة الاسترقاق على الخط لتدعو في بياتن وزعته أمس من سمته «المواطن محمد ولد عبد العزيز» للتراجع العلني عن تصريحاته العنصرية واللاأخلاقية والمهينة لشعب الحراطين، والتي تتنافي مع دين الموريتانيين وقانونهم ومع القوانين الدولية».
وألزمت حركة «إيرا» التي يقبع رئيسها ونائبه بحكم قضائي في السجن منذ أكثر من سنة في بيان وزعته أمس «الموريتانيين الورعين الوطنيين والعدول للقيام بتحرك واسع لكبح جناح الشر المتطاير من تصريحات وتصرفات وسياسات محمد ولد عبد العزيز التي تعرض شعب الحراطين لخطر الإبادة كما تعرض الشعب الموريتاني للتقاتل والتناحر، وإجبار القائمين على السلطة باستحداث إجراءات تتماشى مع الدستور لحماية المواطنين من التفرقة، الممارسة في الواقع منذ قرون من الهيمنة العرقية والقبلية».
وأوصت الحركة غير المرخصة «الشركاء الخارجيين لموريتانيا، باتخاذ أقصى درجات اليقظة في مراقبتهم للقادة الموريتانيين الحاليين، في تقريرهم الخاص بإدارة النزاعات التاريخية وبصفة خاصة، جانبها المرتبط بالمساواة والإصلاح».
واستعجل بيان الحركة «الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأسره، لتسجيل موريتانيا ضمن البلدان المؤهلة لـ»مسؤولية الحماية» طبقا للاحتياطات الاحترازية التي اعتمدت في مؤتمر القمة العالمي في سبتمبر 2005».
وأكدت «أن الرئيس ولد عبد العزيز أدلى بتصريحات بالغة التمادي في الغرو، اتجاه مجموعة الحراطين، أكبر مكون للشعب الموريتاني وأكثره تقبلا للسلم والعمل والعطاء للوطن، بعبارات تساوى فيها الاحتقار والازدراء ، تماديا في الإنكار المعتاد لعذاباتهم المستمرة، معربا عن عنصرية ديموغرافية تنضاف الى سياساته القضائية والاقتصادية والاجتماعية المرتكزة على احتقار وتهميش وإذلال شعب لحراطين المسالم والشهيد».
«إننا نشهدكم أيها الموريتانيون، تضيف الحركة، أن محمد ولد عبد العزيز صرح في النعمة بأنما يعانيه الحراطين من عدم الأهلية والمعرفة والحرمان من الحقوق ومن الملكية، ومن جرائم اغتصاب وتنكيل، كل هذا حسب فقيه العلم الاجتماعي ومنظر السياسات المجتمعية العصرية ناتج عن غرائز الحراطين الجنسية الجامحة والتكاثر المفرط، مقرا بهذا التصريح لما طال أن نفاه هو ومن على شاكلته، من أن مجموعة الحراطين قومية مستقلة عن قومية العرب البربر، وأنها أيضا تمثل الأكثرية الساحقة من الشعب الموريتاني».
وأضافت الحركة «أن الأمر يتعلق بشكل واضح، بخطاب عاطفي مكيف للتأثير في الرأي العام من أجل تحضيره فجأة أو تدريجيا، لضربة مبيتة ضد أحفاد العبيد، تماثل في شكلها ومضمونها الضربة التي سددها معاوية ولد سيد احمد الطايع – شيخ وولي نعمة ولد عبد العزيز- ضد مجموعات الزنوج خلال نهاية الثمانينيات وبداية التسعينات، وذلك باعتبار الحراطين المجموعة المهدِدة التي يهون كسر ديناميتها لكبح الطموح الجامح للجماهير المسترقة وبعض زعاماتها للوصول بواسطة التعبئة والتوعية الجماهيرية والنضالات الحقوقية والسياسية إلى الحكم في هذا البلد»، حسب تعبير البيان.
وكان سيدي محمد ولد محم رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا قد دافع مساء الأحد عن تصريحات الرئيس وأكد «أن الرئيس الموريتاني يعني بكلامه هذا جميع المواطنين وليس شريحة الحراطين بعينها» ، معتبرا أن «مطالبة الرئيس للمواطنين بتنظيم النسل ليس عملا سيئا».
واتهم رئيس الحزب الحاكم «حزب ”تواصل» الإسلامي بركوب الموجة وتوجيه خطاب الرئيس إلى الإساءة للحراطين وهو ما اعتبره ولد محم أمرا خطيرا لكونه يتعلق بوحدة البلد». وأكد ولد محم «أن التفسير الذي قدم لحديث الرئيس حول بعض الآباء لأبنائهم وعدم رعايتهم لا يتعلق بالحراطين، وحتى لو تعلق بهم فهو لا يحمل أية إساءة».
وأضاف ولد محم «التفسير الذي قدم لحديث الرئيس يمكن أن يشعل النيران في البلد، وهو ما لا ينبغي، والبلدان التي اشتعلت فيها النيران لا تستهوينا تجاربها»، مطالبا «قادة المعارضة بتحمل المسؤولية وتحاشي الأحاديث التي يمكن أن تثير الفتن».
وينشغل الرأي العام الموريتاني هذه الأيام بخطاب مثير للجدل ألقاه الرئيس محمد ولد عبد العزيز الثلاثاء الماضي وتحدث فيه عن قضية الرق ومخلفاتها، وهاجم فيه المعارضة، وأكد أن الباب مسدود أمامها للوصول لحكم البلاد، كما أعلن في خطابه عن تعديل للدستور لإلغاء غرفة مجلس الشيوخ واستحداث مجالس إقليمية.
«القدس العربي»