« أيّها الناس ، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم اللّه ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول اللّه صلّى الله عليه وآله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله. ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرَّحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، أحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله ، وأنا أحق من غيّر .. »
بهذه المقولة , احتجّ الإمام الحسين على أهل زمانه, مبينا لهم بأن الثورة ضد الظلم والفساد هي منهج للإنسانية, يصلح لتعديل حال المجتمعات في كل زمان ومكان, ولا يخضع إلا لما تخضع له الحقوق المشتركة التي يؤمن بها كل الناس, لذا نجد أن التنوع والتلون في الأعراق والأديان والتوجهات, قد صهرت أصحاب الحسين نحو قضية إنسانية واحدة, تدور في فلك الوجود البشري, معربة عن عامل الصحوة للأفراد والمجتمعات .
إن القيم الإصلاحية الإنسانية التي خرج من اجلها الامام الحسين عليه السلام هي خط الدفاع الرئيس للأمة اليوم, بل وللإنسانية جمعاء, فقد حملت ثورته في منظومة مبادئها وأخلاقها مشتركات تؤمن بها كل النفوس والأخلاق البشرية, مما أهلها لأن يُنظر لها من جانبين, الجانب الأول كان يرى أنها تخطت حدود الدين والمذهب لتلتقي مع المشتركات الإنسانية, في صراعها وحوارها مع الحضارات الأخرى التي تتهمها بانتهاك حقوق الإنسان وحرياته العامة, والجانب الثاني الذي كان يراها ثورة تمثل الجوانب الإنسانية الموجودة في عمق الدين الإسلامي, فلم تمنع حالة الإنقياد الشرعي نحو تعاليم الإسلام الخالدة, أن يكون جوهر الإسلام هو نفس ومحض المشتركات الإنسانية والحقوقية التي تنادي بها المدارس الحديثة عند الغربيين, لذا لا نستغرب من تفاعل النفس الإنسانية (مهما كان توجهها أو جنسها أو دينها) مع الثورة الحسينية ونتائجها .
ولم تتوقف كربلاء عن منح المشروعية للثورة على الظالمين حتى يومنا هذا سواء كان الثائرون من المسلمين أو غير المسلمين ، كما أصبح خروج الإمام الحسين عليه السلام مدعاة إلى إثارة جدل فكري محتدم لم يخمد لهيبه حول من يحكم الناس ؟ وما يجب عليه ؟ وما يجب على الناس في حالة ارتكابه للمعاصي وتجاوزه على حقوق الله وحقوق الناس ؟
ما نحتاجه في العراق اليوم نحن كعراقيين أن يكون تمسكنا بمبادئ الثورة الحسينية , ومنهجية أخلاقها, يقود إلى تحقيق حالة الرقي الإنساني البعيد عن كل صرخات التفريق والتمزيق, فالحسين جاء بلوحته البشرية الممثلة بأصحابه الكرام, ليبين بأنها لوحة إنسانية, توحد فيها المختلفون على مبدأية واحدة, وقدموا دمائهم وأرواحهم من أجل مبدأ يجمعهم ويوحدهم, لا أن يفرقهم من خلال حدود معتقداتهم الذاتية, أو إنتمائاتهم القومية .
العراق بحاجة لثورة الحسين, ليتوحد أبنائه كما توحد أصحاب الحسين, وليقاتل أبنائه الظلم كما قاتله أصحاب الحسين؛ الامام الحسين عليه السلام, جاء إلى العراق من أجل أن يرفع راية التوحيد, التوحيد للخالق, والوحدة للمخلوقين, فلنجعل من الحسين منهجا وضياءا لنحارب من خلاله مناهج التفرقة والانفصال والتشتت, التي يحاول أعدائنا زرعها وتغذيتها فينا.
مهدي أبو النواعير