ي بيئة كانت تعاني العزلة والانكفاء وسط صحراء قاحلة ومجتمع ملأه التخلف والعصبية القبلية والتفرقة .. أرض أهملها التاريخ وقاطعتها الحضارة، ولدت شخصية أعادت صياغة الأحداث على هذه الأرض المنسية وأظهرت شبه الجزيرة العربية على واجهة التاريخ ، لتشكل هذه الحادثة انعطافة كبيرة ومهمة في حياة ومستقبل العرب والإنسانية جمعاء .. هي شخصية الرسول الأكرم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقول ول ديوراينت صاحب موسوعة قصة الحضارة (لا احد كان يتصور أن تتحول شبه الجزيرة العربية بعزلتها وبداوتها إلى منطلق لديانة سيطرت على ثلثي العالم القديم) ويعزو ذلك إلى العقلية الرجولية التي كان يمتلكها نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو تلك الروح العظيمة التي تسامت على أعراف بيئتها ومورثها الفكري المتخلف ليصنع ثورة قلبت بنجاحها كل المعادلات الدينية والاجتماعية والسياسية التي كانت قائمة آنذاك، هو الفرد الذي صنع امة أغنت البشرية بعطائها الإنساني والحضاري، لما جاء به من قيم نبيلة وديانة سمحاء تكالب عليها الأعداء لتشويهها إلى وقتنا الحاضر .. فكانت ولادته المباركة تمثل نقطة الشروع نحو التغيير وصيرورة جديدة في المشهد الإنساني برمته، واجه التخلف والشرك والتعصب والهمجية، ولم تكن في جعبته سوى الكلمات وشخصيته الفذة المقنعة التي وظفها لخدمة رسالته النبيلة، فاسلم لأجلها الكثيرين من الناس واختصر بها وبما تملكه من عقلية متفتحة الكثير من الوقت والجهد لإقناعهم، وهو الذي كان يلقب في قومه (الصادق الأمين ) .. ومن هنا نقول إن الاعتداءات على نبي الرحمة والإنسانية لم تأتِ من فراغ ولم تٌطرح كحالة عفوية عابرة بل إن دراسات مستفيضة في مختبرات الغرب اللعين كانت ترمي لتحقيق ثمار ومنافع أسست لهذه الانتهاكات وأفرزتها وان من بين تلكم الأسباب والدوافع للإساءات أمور منها:
السبب الأول: إن هؤلاء الغربيون الجرذان أرادوا تحطيم إرادة الأمة وتشتيت وحدة صفها وقرارها حتى تسير كفرق وطوائف وجماعات دون أن تستعيد جسدها الواحد الذي أراده الإسلام لها.ومنه وعليه فلا تعتقدوا ولا تتصوروا ولا تتأملوا إن هنالك وحدة إسلامية حقيقية إطلاقا إلا بعد تحقق وتحقيق الفهم والوعي الإسلامي من جهة وإدراك اللعبة الغربية والمشروع اللوبي الصهيوأميركي صاحب شعار(فرق تسد) وكذلك تعيّن وتشخيص الجهة التي تمثل الإسلام الحقيقي بوعيها وطرحها وعلمها وأخلاقها الأصيلة السامية.
أما السبب الثاني: هو إن القادة والحكام المتسلطين على رقاب العباد والبلاد والكائنين فوق الرؤوس علوا وقهرا بالحديد والنار دون قبول الشعوب ورضائها عن ممارساتهم .. ولذا تسمعون وتشاهدون إن أي شعب من الشعوب الإسلامية يريد التحرر والخلاص من تلكم الحكومات الجائرة ويتحرك على أساس مناهضة جور الجائرين فأنه يتعرض للقتل وترتكب بحقه جرائم إنسانية ويشرّد ويجوّع ثم يدّمى الماَ كما يحصل الآن في البلدان الساعية للخلاص والتحرر، فأن حب وعشق الساسة لكراسي الفناء والزوال يجعلهم يتفانون في البقاء والإبقاء عليها مهما كلف ذلك دماء الأبرياء .. فكان لهذا المنظر المروع والمشهد البشع قد فتح الباب على مصراعيه للمتجاوزين على نبي الله حيث فسح المجال أمامهم ليتعرضوا وينتهكوا لا لسبب سوى إنهم لا يتوقعون أي ردة فعل من البلدان الإسلامية وحكامها العملاء الخونة القتلة ... فإذا كان القائد والرئيس عاشق للكرسي سيكون قطعا مضمون السكوت على الانتهاكات فما بالك بالمرؤوس الذي لا يملك لنفسه ولا لشعبه ولا لمقدساته نفعا ولا ضرا ...؟.
وأما السبب الثالث: الأخلاقيات المنحرفة التي سارت عليها الأمة كانت ولا تزال حائلا مانعا من الانتصار للنبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن هذه الأمة أدخلت للإسلام ما هو ليس منه وشرّعت رموزها ومؤسساتها اللادينية أخلاقيات الانحراف والضياع والتياه فأصبحت الأمة وأفعالها وأعمالها في وادِ وأعمال وأخلاق الرسول والإسلام في وادٍ آخر ..وعند ذاك فقد تيقن أعداء الخاتم المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) من موت هذه الأمة واندثارها وسباتها فلم تعد تملك أي طاقة للدفاع عن مقدساتها فهي امة التميّع وأسلوب الحديث الناعم المغير لسنن الخلق فالرجال لم تعد رجال والنساء لم تعد نساء.
مها محمد البياتي