يعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعتبار القدس العربية العاصمة الرسمية لدولة إسرائيل المزعومة قراراً منتهكاً لحقوق الشعب العربي الفلسطيني من جهة ومصادرة لتضحيات الشعوب العربية بشكل عام والفلسطينيون بشكل خاص ، وحتى في طريقة إعلانه هذا القرار المشئوم كان شكله يوحي باستهزاء بالعرب وعدم المبالاة بردود أفعالهم لأنه يعلم بأن ردود الأفعال ستكون وقتية مرحلية وستمتص الأيام فورة الغضب عند عامة الناس هذا من جهة ومن جهة أخرى هو قد أمن على قراره هذا من خلال أخذ العهود والمواثيق من قادة الدول العربية بعدم تأييد شعوبهم على أي ردة فعل مناهضة لهذا القرار ، فبعد إن عقد عدة لقاءات مع قادة الدول العربية بشكل منفرد أو من خلال المؤتمرات أتخذ ترامب هذا القرار وهذا دليل على إن القدس العربية قد تم بيعها من قبل حكام العرب ، فلو كان ترامب يعلم بأن هؤلاء الحكام يرفضون هكذا قرار وإن ردة فعلهم أو ردة فعل شعوبهم ستكون غير متوقعة وتثير ضجة كبيرة قد تؤدي إلى حرب مع إسرائيل لما إتخذ هكذا قرار ...
علماً إن قادة العرب في خنوعهم هذا وسكوتهم بل بيعهم للقدس لم يكن للمرة الأولى بل التاريخ يؤكد إن القدس قد تم بيعها للفرنج سابقاً على يد حكام وسلاطين الدولة الصلاحية وهذا ما بينه ألمع رجال التحقيق الديني والتاريخي وهو يناقش الفكر المتطرف الإرهابي وذلك عندما بقر بطون أمهات كتب أئمة التكفير ومنها كتاب " الكامل في التاريخ " حيث جاء في هذا الكتاب في الجزء العاشر الصفحة اربعمائة وأربعة وثلاثون {{ ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ [ذِكْرُ تَسْلِيمِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ إِلَى الْفِرِنْجِ] فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَوَّلَ رَبِيعٍ الْآخِرِ، تَسَلَّمَ الْفِرِنْجُ -لَعَنَهُمُ اللَّهُ- الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ صُلْحًا، وَسَبَبُ ذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَاهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ (625هـ) مِنْ خُرُوجِ الْأَنْبرورِ، مَلِكِ الْفِرِنْجِ فِي الْبَحْرِ مِنْ دَاخِلِ بِلَادِ الْفِرِنْجِ إِلَى سَاحِلِ الشَّامِ، وَكَانَتْ عَسَاكِرُهُ قَدْ سَبَقَتْهُ، وَنَزَلُوا بِالسَّاحِلِ، وَأَفْسَدُوا فِيمَا يُجَاوِرُهُمْ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ. وَمَضَى إِلَيْهِمْ (الى الفِرِنج)،وَهُمْ بِمَدِينَةِ صُورٍ، طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْكُنُونَ الْجِبَالَ الْمُجَاوِرَةَ لِمَدِينَةِ صُورٍ وَأَطَاعُوهُمْ، وَصَارُوا مَعَهُمْ (مع الفِرِنج). وَقَوِيَ طَمَعُ الْفِرِنْجِ بِمَوْتِ الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ عِيسَى ابْنِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، صَاحِبِ دِمَشْقَ.. فَسَارَ (الأشرف) إِلَى دِمَشْقَ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ الْمَلِكِ الْكَامِلِ فِي الصُّلْحِ، فَاصْطَلَحَا وَاتَّفَقَا، وَسَارَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ إِلَى الْمَلِكِ الْكَامِلِ وَاجْتَمَعَ بِهِ. فَلَمَّا اجْتَمَعَا، تَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَنْبرورِ مَلِكِ الْفِرِنْجِ دَفَعَاتٍ كَثِيرَةً، فَاسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمُوا إِلَيْهِ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ وَمَعَهُ مَوَاضِعُ يَسِيرَةٌ مِنْ بِلَادِهِ، وَيَكُونُ بَاقِي الْبِلَادِ مِثْلُ الْخَلِيلِ، وَنَابُلُسِ، وَالْغَوْرِ، وَمَلَطْيَة، وَغَيْرُ ذَلِكَ بِيَدِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَا يُسَلَّمُ إِلَى الْفِرِنْجِ إِلَّا الْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي اسْتَقَرَّتْ مَعَهُ. وَكَانَ سُورُ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ خَرَابًا [قَدْ] خَرَّبَهُ الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ، وَقَدْ [ذَكَرْنَا] ذَلِكَ. وَتَسَلَّمَ الْفِرِنْجُ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ، وَاسْتَعْظَمَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ وَأَكْبَرُوهُ، وَوَجَدُوا لَهُ مِنَ الْوَهْنِ وَالتَّأَلُّمِ مَا لَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ...}}..
فما أشبه اليوم بالأمس فكما باع القدس حكام وسلاطين الدولة الصلاحية العادلة التي يعتبرها أئمة التكفير التيمي من أقدس الدول التي حكمت الإسلام ، فنحن نرى حكام اليوم يبيعون القدس علناً دونما حياءً أو خجل وكأنهم يستنون بسنة سلاطين الدولة الصلاحية أو الأيوبية ، فهل يعلم العرب بأن هذا القرار الأميركي يعني إنه يعطي مشروعية دولية لضرب المقاومة الفلسطينية وتجريمها وإعتبار أي عمل للمقاومة عمل إرهابي ولا يحق لأي شخص أن يعترض على أي ممارسة قمعية يقوم بها الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني تحديداً في القدس المباعة من قبل حكام العرب...
وكل ما حصل وسيحصل قد تم شراءه من قبل حكام العرب والخليج بدون استثناء ومعهم رجال الدين الذين يؤيدون ويشرعنون لهم كل قراراتهم والأنكى من ذلك هو إن حكام العرب قد باعوا القدس العربية بسعر بخس جداً وهو ضمان البقاء في مناصبهم وكراسيهم ورضا ترامب عنهم فسلموا له القدس ودفعوا الأموال فراحت القدس وقدسيتها وضاعت التضحيات التي قدمتها الشعوب العربية وخصوصاً الشعب الفلسطيني بسبب صفقة بيع وشراء مناصب والجري خلف تقبيل أيادي الغرب حتى لو كان على حساب الأرض والعرض والشعوب فلا قدسية لأي شيء أما ضمان البقاء في الحكم والحصول على رضا الحاكم الغربي.
بقلم احمد الجارالله