حصلت “الشرق” على الوثائق الكاملة للبرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية التي تتضمن المراسلات السرية لوزارة الخارجية السعودية المسربة عبر موقع ويكيليكس والتي هزت الرأي العام العالمي لما حوته من قضايا سياسية خطيرة لم يكشف عنها النقاب من قبل.
وتواصل “الشرق” كشف هذه الوثائق السياسية السرية تباعا لتسلط الضوء على كيفية ادارة الرياض لسياستها الخارجية وتوظيف الدين لخدمة السياسة وتوظيف الثروة لصالح النافذين من خلال الوثائق التي وردت في كتاب “البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية” الذي أعده المؤلف سعود بن عبد الرحمن السبعاني. ويكشف الكتاب خفايا صناعة القرار في المملكة السعودية وكيف تدار الدبلوماسية السعودية في الخارج.
في الحلقة التاسعة من الوثائق يتضح معدن اهل قطر وشهامتهم ومواقفهم النبيلة تجاه الحالات الانسانية لمواطنين سعوديين تقطعت بهم السبل وتخلت عنهم سفارتهم ولم يجدوا إلا سفارة دولة قطر ليلجأوا إليها طالبين العون والمساعدة في رحلة العلاج في المستشفيات بالخارج.
الحلقة تفتح الباب لمزيد من الحالات التي يمكن ان تعلن عن نفسها بالتعليق وكشف ما تعرضت له ورحلتها ومعاناتها مع المرض ومع طلب المساعدة وكيف تتخلى سفارة السعودية عن رعاياها.
شح وبيروقراطية
وتكشف البرقيات معاناة الكثير ممن تم ايفادهم للعلاج سواء من المرضى او المرافقين من شح وبيروقراطية النظام السعودي خاصة في مسألة الصرفيات ومقارنتها مع ما يصرف على المرضى الخليجيين. وقد اضطر مرضى وذويهم الى اللجوء لسفارة دولة قطر لطلب المعونة والدعم وهنا تكالبت المشاكل على السفارات السعودية وبدأت تشعر أن زمان القهر والصمت قد ولى وان هناك من السعوديين من بدأ يشد رحاله الى الغرب طالبا اللجوء رجالا ونساء وقد تم اخفاء اسماء العوائل من البرقيات لتجنب التشهير.
وتكشف البرقيات توجه مواطنين ومواطنات سعوديين مبتعثين للدراسة بأمريكا الى الجهات الامريكية المختصة يطلبون فيها الحصول على الجنسية الامريكية وهو ما دعا وزارة الداخلية لمتابعتهم عن طريق السفارة السعودية ودراسة حالات طالبي اللجوء السياسي والاجتماعي في الولايات المتحدة والدول الغربية حيث اطلقت الخارجية يد السفارات في التعامل مع هذه الملفات في اطار القانون الدولي وقوانين الدولة المضيفة.
الغريب ان سعوديين لجأوا الى سفارة السعودية في الامارات طالبين اللجوء السياسي لأسباب مختلفة وتقول إحدى البرقيات ان السفارة في ابو ظبي تلقت اتصالا من الانتربول الاماراتي ذكر فيه انه يراجعهم بين الحين والاخر بعض المواطنين السعوديين يطلبون اللجوء السياسي لأسباب مختلفة ويذكرون انه في حالة عدم تحقيق رغبتهم سيلجأون الى مكتب الامم المتحدة او سفارات بعض الدول ومن تلك الحالات حالة المواطن خالد حسين الذي ادعى ان جواز سفره قد سحب منه من قبل الاستخبارات السعودية التي طلبت منه البحث عن بلد آخر وكذلك المواطن عبد الكريم بن عبد الله ادعى انه مهدد من قبل وزارة الداخلية بالقتل وان مصيره سيكون مثل طلال الرشيد حسب ادعائه. وادعت السفارة السعودية ان هؤلاء على الارجح يعانون من امراض نفسية.
وفي برقية اخرى تنصح الاستخبارات السعودية بالضغط على ذوي طالبي اللجوء السياسي ممن يعيشون خارج المملكة لثنيهم عن افكارهم ومعرفة الاسباب التي ادت الى قيامهم بذلك ومنهم حالة مواطنة سعودية تدعى نورا بنت محمود التي غادرت السعودية الى جمهورية التشيك في طريقها لمدينة مالمو في السويد لغرض التقدم بطلب اللجوء السياسي فنصحت الاستخبارات بالسعي لدى اهلها لتتراجع عن طلبها وبالاطلاع على القانون السويدي لمعرفة القواعد التي تحكم عملية منح اللجوء السياسي للمواطنين الاجانب. كما زرعت المخابرات متعاونا للتواصل معها وبين لها حجم التعقيدات التي ستواجهها مما جعلها تشعر بالاحباط والعودة الى مدينة برنو في التشيك وهذا كان نهج الاستخبارات السعودية في ملاحقة طالبي اللجوء في الخارج.
كما تم التعامل مع حالة مواطن سعودي آخر لجأ الى القنصلية الفرنسية بجدة وتم رفض طلبه واتهمته السلطات بضعف قواه العقلية.
كما تتطرق برقيات اخرى الى حالات لمواطنين سعوديين قدموا للعلاج في المانيا وعند اكتشافهم غلاء المعيشة وارتفاع اسعار العلاج دأب هؤلاء على اللجوء الى سفارة دولة قطر ليتولوا علاجهم عن طريق السفارة القطرية.
فرق شاسع
وأبلغت السفارة السعودية وزارة الخارجية ان بعضا من هؤلاء المواطنين السعودييين الحاصلين على أوامر بالعلاج بالخارج عن طريق وزارة الصحة يفضلون ان يتم علاجهم عن طريق سفارة دولة قطر من منطلق ان النثريات التي يحصل عليها المريض من الملحقية الصحية السعودية تبلغ 300 ريال سعودي اي ما يعادل 60 يورو تصرف له يوميا فقط ان كان خارج المستشفى، اما في حالة تنويمه داخل المستشفى فان هذا المبلغ يقطع عنه بينما تصرف سفارة دولة قطر لرعاياها مبلغا ماليا فيه فرق شاسع عما يصرف للسعودي، سواء جرى تنويمهم في المستشفى او لا.
وطالبت السفارة باعادة النظر في المبلغ الذي يمنح للمرضى بحيث يتم تأمين الاحتياجات الاساسية لهم لكن تم تحويل الشكوى الى لجنة الخبراء. بينما كانت تتعامل السفارات السعودية مع طلبات ذوي النفوذ بوضعية أخرى وتتم الاستجابة الفورية لمطالبهم وتسديد فواتيرهم.
فساد الملحقيات الثقافية
برقيات اخرى تتعلق بفساد الملحقيات الثقافية في الخارج خاصة في لندن حيث اشتكى طلاب مبتعثون في بريطانيا من فساد وابتزاز وتعجرف وعدم مبالاة الملحقية الثقافية السعودية في لندن ولم يحرك المسؤولون ساكنا الا عندما تظاهر الطلاب امام مقر الملحقية منددين بالفساد الذي استشرى في الملحقية فجرى تشكيل لجنة عاجلة للتحقيق في الامر خوفا من ان يطلع القضاء البريطاني على فساد الملحقية السعودية او ان يتلقف الاعلام البريطاني امر تلك التظاهرة وقد جرى التحقيق في فضائح فساد الملحقية الثقافية التي وصلت الى درجة ابتزاز الطالبات جنسيا وهو ما تؤكده البرقيات حيث ذكرت طالبات انهن يتعرضن للتحرش الجنسي من بعض منسوبي الملحقية والكثيرات منهن يمنعهن الخوف والحياء من الافصاح عما حدث معهن..
وتضمنت الشكاوى اجماعا من الطلبة على سوء المعاملة من قبل منسوبي الملحقية وعدم الرد على اتصالاتهم وعدم التجاوب معهم وعدم العدل والمساواة، كما أجمع الطلاب على وجود اختلاسات فوق العادة وتجاوزات بالجملة ومحسوبية في توزيع المنح والعلاوات وتأخير او إيقاف صرف المكافآت لأسباب واهية ودون مبررات واضحة..
كما ألمح الطلبة الى وجود فساد مالي، حيث بلغت تكلفة حفلة واحدة مليون جنيه استرليني، كما ان الخوف من الانتقام يمنع طلبة وطالبات آخرين من الافصاح عن معاناتهم من سفاراتهم حيث لا يجدون من يستمع لشكاواهم، كما ان تعامل الملحق الثقافي السعودي مع الرعايا فوقي ومتعال وفي بعض الاحيان يتجاوز الادب. يقارن المواطن بين هذه الحالات وبين مايتمتع به نظيره القطري الدارس في الخارج فيتحسر على مملكته وثرواتها التي تضيع هباء منثورا.