بكلمات هي أشبه بكلمات فتوى الجهاد الكفائي، التي أصدرها السيد السيستاني عند اجتياح داعش للعراق، جاء خطاب النصر التاريخي، من على منبر صلاة الجمعة في كربلاء، ليعلن مباركة المرجعية للمقاتلين في القوات الأمنية بكافة صنوفهم، وشكرها لهم على حجم التضحيات التي قدموها، في المعارك التي سطر فيها المقاتلون أسمى صور التضحية والإيثار، ووقف العالم مندهشا أمام بطولاتهم وتضحياتهم.
أريد لهذا الخطاب أن يكون نهاية لمرحلة، وبداية لمرحلة جديدة في تاريخ العراق، لذلك توجهت المرجعية بخطابها للمقاتلين الأبطال، الذين مر عليهم أكثر من ثلاث سنين، وهم يقاتلون الإرهاب على مساحة واسعة من ارض العراق، فهي لاترى لأحد فضل يداني فضلهم في تحقيق هذا الانتصار التاريخي، الذي شارك فيه الآلاف من طلبة الحوزة العلمية، الذين دفعت بهم المرجعية الى ساحات الجهاد مع الملبين لفتوى الجهاد الكفائي، فاسترخصوا أرواحهم وبذلوا مهجهم في سبيل العراق ومقدساته، فاسعدوا شعبهم واسعدوا المرجعية صاحبة الفتوى.
كعادتها فان المرجعية العليا لم يفتها، أن تضع الحكومة والشعب في الصورة، عما هو مطلوب في المرحلة القادمة، مؤكدة إن المعركة مع الإرهاب لم تنته بعد، فما زال هناك أناس يحملون الأفكار المنحرفة والطائفية، لا يقبلون بالتعايش السلمي مع الآخرين، لا يتورعون عن القتل وسفك الدماء بمجرد اختلافهم في الرأي أو العقيدة، محذرة من التراخي في التعامل مع هذا الخطر، ومع الخلايا النائمة التي تريد استهداف امن واستقرار البلد، وان محاربة الإرهاب يجب أن تكون بالتصدي لجذوره الفكرية، وتجفيف منابعه البشرية والمالية والإعلامية، وتفعيل العمل الإستخباري الذي يجب أن يكون هو الأساس في محاربة الإرهاب، ونشر ثقافة الاعتدال والتسامح، وتحسين الظروف المعيشية في المناطق المحررة.
لان المنظومة الأمنية هي الأهم في أن تكون الدولة قوية، تحافظ على وحدة العراق وسيادة القانون، فهي ما زالت بحاجة الى الكثير من الرجال المجاهدين، الذين كانوا ساندين لإخوانهم في الجيش والشرطة، وضربوا أروع البطولات في الفداء والتضحية والشجاعة، لاسيما الشباب منهم الذي شاركوا في المعارك ضد الإرهاب، وقاتلوه في أكثر المناطق وعورة واشد الظروف الجوية قساوة، لذلك يجب عدم التفريط فيهم، والانتفاع بهذه الطاقات المضحية ضمن الأطر الدستورية والقانونية، التي تضمن أن يكون السلاح حصرا بيد الدولة، هذا الأمر الذي لطالما أكدت عليه المرجعية.
لم يفت المرجعية أن تطالب بحقوق المقاتلين، الذين ضحوا من اجل هذا البلد لاسيما الشهداء والجرحى منهم، إنصافا لهم ولعوائلهم، فالشهداء لديهم نساء أرامل وأطفال يتامى يعانون شظف العيش وألم فراق المعيل، ونقص في توفير مستلزمات الحياة الكريمة ونفقات المعيشة، كما إن الجرحى والمصابين بحاجة الى العناية الطبية، ومنهم من أصبح مقعدا لا يقدر على العمل أو الحركة، لذلك دعت المرجعية الى أن يكون توفير العيش الكريم لعوائل الشهداء والجرحى، مقدما على جميع الأمور الأخرى التي تفكر فيها الحكومة ومجلس النواب، وان يقر ذلك ضمن الميزانية العامة للدولة.
الحشد الشعبي ولد بفتوى المرجعية، ولمهمة مقدسة هي الدفاع عن العراق وأهله، وهبت جموع المجاهدين تلبية للواجب الديني والوطني، في الدفاع عن العراق وأهله دون التفكير في مغانم شخصية أو سياسية أو مناصب حكومية، لذلك كسب هؤلاء المتطوعون محبة الناس وأصبحوا محل احترام الجماهير وتقديرهم، والتي سعت المرجعية في خطبتها الى الحفاظ عليها، بعدم زج هؤلاء المتطوعين في المعترك السياسي، وعدم محاولة استغلالهم لتحقيق مآرب سياسية، وإلا إن هذا العنوان المقدس سوف يحل به كما حل بغيره من العناوين المحترمة.
وفي مسك الختام أعلنت المرجعية عن المعركة التي يجب أن تخوضها الدولة في المرحلة المقبلة، والتي لا تقل شراسة عمن سبقتها، تلك معركة مكافحة الفساد المالي والإداري، التي يجب أن تتخذ طرقا عملية وقانونية بعيدة عن الإجراءات الشكلية والاستعراضية، هذه المعركة التي تأخرت كثيرا، لكن العراقيون الشرفاء الذين انتصروا على الإرهاب، قادرون على خوض هذه المعركة والانتصار فيها.
ثامر الحجامي