إيثار الآجل على العاجل ، والدائم على الآني ، وما يمليه ذلك من مواقف والتزامات : أكبر سمة من سمات حكمة المرجع العراقي السيد الصرخي الحسني ،.
ومواقفهِ الحكيمة هنا تثير لدى الناس الدهشة ؛ حيث يجدونه زاهداً معرضاً عما يتقاتلون عليه ، وربما اتهموه بالعجز أو الكسل أو القصور ، وهو في الوقت نفسه يضحك في داخله من جهادهم في غير عدو ومحاولات قبضهم على السراب!!.
لذلك تجده في داخله ساحة مَوّارة بالحركة والنشاط ، فهو لا يكفّ أبداً عن عمليات المقارنة ، والموازنة ، والتحليل ، والتركيب ، والاستنتاج ، والتشذيب ، إنها أمواج وتيارات في أعماق المحيط ، أما السطح فإنه هادئ تعلوه السكينة والوقار .
إن من ملامحهِ سرعة البديهة ، وإطلاق الأحكام ، وسرعة تشكيل المواقف ، إذ إنه يملك قدرة خاصة على ضرب كل أشكال المعرفة والخبرة في بعضها بعضاً ، ليخرج في النهاية بزبدة تتميز عنها جميعاً ، لكنها منها جميعاً
لذلك تجد من حكمته واستقراءه للأوضاع إدراك حجوم القضايا على وجهها الصحيح ؛ فهو الذي يرى الأشياء الكبيرة كبيرة ، كما يرى القضايا الصغيرة صغيرة كما هي ، وتقدير القضايا بصورة صحيحة من أخطر المشكلات التي ظلت تواجه البشر على مدار التأريخ ، وهل دُمّرت الحضارات إلا من وراء مشكلات وأخطاء ظنها الناس تافهة ، فإذا هي عواصف هوجاء تأتي على كل ما تمرّ عليه .
. ومن خلال تحذيراته تجده الرجل الذي يرى ما قبل اللحظة الراهنة ،ويستشرف ما بعدها ، وهو لا يرى نسقاً أو نظاماً من التداعيات الترابطية ، لكنه يرى أنساقاً ونظماً تتوازى ، وتتقاطع ، وتتصادم ، إنه يحسّ بالعاصفة قبل هبوبها ، فيحذر قومه وينذرهم من الأخطار . كلنا نرى القضايا بحجمها الحقيقي ، لكن بعد فوات الأوان ! ، وبعد أن نكتوي بنارها ، وتفوتنا فرصها الذهبية ، لكن المرجع العراقي يأتي في الوقت المناسب حيث قال أحد الحكماء " إذا أدبرت الفتنة عرفها كل الناس ، وإذا أقبلت لم يعرفها إلا العالم الحكيم "
والدليل على ذلك فهو الذي حذر من ما يمر بهِ العراق قبل سنوات حيث قال:
"يا أبناء الشعب العراقي الحرّ الأبيّ، السنة والشيـعـة، العرب والكُرد، رجال الدين والمكلفين، الرجال والنساء، وغيرهم
الحذر كل الحذر من فتنة مرعبة مهلكة وحرب مدمرة وإرهاب شيطاني ممقوت وصراع دنيا ومصالح يشترك فيه دول عالمية كبرى وأجهزة مخابرات ومنظمات إرهابية مبرمجة ومسيرة، صرّح المحتلون الإرهابيون أنهم نقلوا ساحة الحرب والإرهاب إلى العراق، فالواجب علينا أن نكون واعين فلا نقحم أنفسنا ومن يثق بنا في هذه الفتنة والنار المحرقة فلا نكون طرفاً في هذه الحرب الإرهابية وتصفية الحسابات الشيطانية الباطلة فنخسر الدنيا والآخرة" .
وطالما حذر من الاستقراءات الخاطئة والغير حكيمة للأحداث حيث قال
"لابد من القراءة الصحيحة الموضوعية الواقعية للأحداث ، فإذا أخطأنا القراءة فإننا بكل تأكيد سنخطئ في تشخيص العلاج"
وبهذا تجد صوت الحكمة الفطنة يصدح في كثير من المواقف من خلال التشخيص الواقعي العلمي الدقيق ووضع الحلول الناجحة .
نزار الخزرجي