ما بين ملفّ الاعتقال وحقوق الإنسان ارتباط قوي جدا وعلاقة وثيقة، لأن الاحتجاز لأيّ سببٍ كان، لا ينفي عن الفرد صفته الإنسانية، وإذا بقيت الصّفة الإنسانيّة فإنّ الكرامة حق.. و حرمان المعتقل حقوقه لا تجوز تحت أية ذريعة.
يؤكد الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان لعام 1948، والعهد الدوليّ للحقوق المدنيّة والسياسيّة لعام 1966، على أن الحقّ في الحياة حقٌّ ملازمٌ لكلّ إنسان، وأنّ على القانون حماية هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحدٍ من حياته تعسفاً، وأن هذا الحقّ لا يمكن تعطيله حتى في حالات الطوارئ، كما ورد في المادة 4/أ.
ومن هنا يمكننا أن نعرّف المعتقل السّياسيّ بأنه كلّ شخصٍ تمّ توقيفه أو حجز حريته من دون قرارٍ قضائيٍّ، بسبب معارضته للسلطة الحاكمة، في الرأي أو المعتقد أو الانتماء السّياسيّ، أو تعاطفه مع معارضيها، أو مساعدته لهم.
انتهاكات حقوقية في المملكة… عضو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة
تواصل المملكة السعودية، عضو مجلس حقوق الإنسان التّابع للأمم المتحدة انتهاكاتها الحقوقيّة، ضدّ المعتقلين بسبب معارضتهم للسّلطة الحاكمة، في الرأي أو المعتقد أو الانتماء السياسيّ، وذلك عبر التعذيب الجسدي والنفسي، وترهيب المعتقل وذويه، إذ أنها تتعمد التكتّم والتّعتيم على ما يجري على سجناء الرّأي، وتوعز للإعلام الخاضع لداخليّتها بنشر أكاذيب مختلقة بحقهم.
**تهديد المعتقل وذويه بأن نشر أي ّمعلومة عنه أو عن ما تعرض له يُضاعف عوقبته!
تلجأ السّلطات السّعودية إلى أسلوب التّهديد والترهيب، عبر ترويجها بأنّ ما يقوم به أهالي المعتقلين من إبراز قضايا أبنائهم، وكشف ما يتعرضون له يربك جلسات المحاكمة، وربما يضاعف محكومياتهم، مما يجبر الأهالي على الصّمت والتحفظ على نشر ما يعانيه أبناؤهم في غرف التعذيب، وما يمارس عليهم من إكراه في جلسات المحاكمة أو الإدلاء بأي تصريح عن ذلك للوسائل الإعلامية.
آراء بعض النشطاء والصحافيين المستقلين..
صحيفة خبير الإلكترونية أجرت حوراً مع بعض النشطاء الحقوقيين وبعض الصحافيين المستقلين حول استخدام السلطات السعودية أسلوب الترهيب تجاه الأهالي، فكان أبرز ما أشاروا إليه ما يلي:
**السلطات السعودية تخشى من وصول الحقيقة إلى الإعلام والمنظمات الحقوقية..
يجب وضع الشّائعات التي تروّج لها السلطات السّعودية حول ما يوهم الأهالي بأنّها “أضرار” بأوضاع المعتقلين ومحاكماتهم في سياق ثقافة التّخويف والتّهويل، لأنّها تخشى “الحقيقة”، وتخشى من وصولها إلى الإعلام والمنظّمات الحقوقيّة.
التأكيد على وجوب عدم التّكتم على الحقيقة وإلّا يكون المجتمع قد ساهم بالإضرار بالمعتقلين وقضيّتهم.
النظام يشعر بالقلق من تشويه صورته أمام الرأي العام الإقليمي والعالمي خاصة وهو يحاول تبيض صورته القاتمة في نظر الغرب الذي أصبح ينظر للمملكة بأنها مقبرة للحريّات ومنبعاً للإرهاب، ولذلك يخاف النّظام من إظهار الحقيقة.
وجود انتهاك لحقوق الإنسان يعني أنّ البلاد غير مستقرّة.. والنظام لا يريد إظهار ذلك للعالم.
لا يمكن للنّظام التعنّت على الدّوام وإن بدا كذلك، لأنّه بحاجة لإيصال رسالة إلى العالم بأن وضعه مستقرّ، وخصوصاً في هذه الفترة إذ يسعى لإقناع الحكومات الأجنبيّة والشّركات الأمريكيّة والأوروبيّة بالاستثمار في البلاد، وبالتّأكيد إنّ وجود انتهاكات لحقوق الإنسان يعني أنّ البلاد غير مستقرّة، وهذا ما لا يريده النّظام السّعودي في الوقت الحالي.
**دور الإعلام في تحريك القضايا الإنسانية على المستوى العالمي..
لو لم يكن الإعلام هو المحرك للعديد من القضايا والمؤثر الفعال في نقل الصورة وإيصال الحقائق إلى الرأي العام لما عمدت الأنظمة إلى تكوين شبكات إعلامية منظمة لفرض هيمنتها على الشعوب سواءً كانت وسائل من تحت الطاولة أو فوقها تجاهر بها.
الأنظمة تخشى من تحريك الرأي العام الخارجي ضدها، لكنّها تراجعت عن الكثير من الأحكام القاسية بحق عدد من المعتقلين لأنها وجدت نفسها محرجة، والعكس هناك حالات لم تكن في متناول وسائل الإعلام بقيت في الخفاء انتهت بإصدار أحكام قاسية وصل بعضها إلى الإعدام.
**وجود وسيلة إعلامية تكسر الاحتكار السّعودي وتكشف الحقائق تشكل رادعاً للنّظام
لأن النّظام السّعودي لا يزال يخشى دور الإعلام في فضح جرائمه وانتهاكاته، سعى في مرحلة مبكرة لبناء إمبراطورية إعلاميّة خاصّة به لتوجيه الرّأي العام وقلب الحقائق وتزييفها، وفي الوقت نفسه شراء ما يمكن شراؤه من صحف وصحافيين وقنوات فضائية وإذاعات وكتّاب، لذلك فإن وجود وسيلة إعلامية تكسر ذلك الاحتكار السّعودي وتكشف الحقائق كما هي، يشكل رادعاً للنّظام عن التّمادي في غيّه واقتراف المزيد من الانتهاكات، وفي بعض الحالات قد تؤدي إلى وقف الانتهاكات بصورة كاملة.
وجود نشاط إعلاميّ وحقوقيّ في الخارج ساهم بإيصال ما يجري في الدّاخل للعالم، كما ساهم في التحرك لمعارضة أحكام الإعدام وعقوبات السّجن القاسية.
توجيه شكوى بخصوص ما يجري من انتهاكات ضد المعتقلين يجب أن يكون عملاً روتينياً..
إن إطلاع وسائل الإعلام والمنظّمات الحقوقيّة والتّواصل مع سفارات الدّول الحليفة للنّظام السّعودي لتوجيه الشّكاوى بخصوص ما يجري من انتهاكات ضد المعتقلين يجب أن يكون عملاً روتينياً لعوائل المعتقلين، لأن الصّمت يعني منح النّظام الطمأنينة لفعل كل ما يريد واقتراف ما يشاء، وبالتّالي نكون قد حقّقنا بصمتنا قانون “الإفلات من العقاب” وهو ما يريده النّظام.
**إخفاء ما يتعرض له المعتقل يُساهم في مظلوميته ويُعد مشاركة للنظام
إخفاء الأهالي لما يتعرض له أبناؤهم المعتقلون من تعذيب وانتهاكات هو إسداء خدمة للنظام ليفعل ما يشاء بالمعتقلين دون حسيب أو رقيب لكون تلك الجرائم ترتكب في الخفاء، الأمر الذي يُساهم في مضاعفة مظلوميتهم، وربما يُعد مشاركة للسلطات في ظلمهم.
إذا ما توقّفنا عند الأهل الكرام الذين تكتّموا على قضايا أبنائهم المظلومين، (حتى وصل ببعضهم المطاف منع تداول صور أبنائهم المعتقلين)، وتساءلنا: ما الذي جنوه من ذلك؟ كانت السّلطة تخدعهم وتمنّيهم بتخفيف الحكم إذا ما تجاوبوا معها، ولم ينشروا القضيّة بين الرّأي العام، وفي النهاية تقوم السّلطة بإصدار الأحكام القاسية بحق أبنائهم.
**رفض وجود “معتقلون منسيون” نتيجة قناعات خاطئة بأنّ الحديث عنهم يجلب الضّرر لهم ولعوائلهم
لا يجب أن يكون لدينا “معتقلون منسيون” نتيجة قناعات خاطئة بأنّ الحديث عنهم يجلب الضّرر لهم ولعوائلهم، وهذا لم يكن صحيحاً ولن يكون كذلك في أيّ وقت، بل على العكس فإن من الواجب أن تبدأ المسؤولية قبل الاعتقال ذلك بأن لنا حقوقاً مشروعة وإن الإفصاح عنها ليس جريمة، وإن الاعتقال هو الجريمة ويفرض علينا مسؤولية الدّفاع عن المعتقلين بشرح قضيّتهم واطلاع العالم عليها، واستغلال كل وسيلة إعلاميّة وحقوقيّة وسياسيّة من أجل إيصال القضيّة والضّغط على النّظام من أجل الإفراج عنهم، أو إخضاعهم لمحاكمة عادلة.
**انتخاب السعودية مرتين متتاليتين رغم انتهاكاتها الحقوقية الموثقة والمتواصلة يُعد صفعة قوية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة
مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي يتألف من 47 دولة عضواً تنتخبها أغلبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاقتراع المباشر والسري، و هو أعلى هيئة أممية تختص بقضايا حقوق الإنسان في أرجاء المعمورة ورغم ذلك انتُخبت المملكة السعودية مرتين متتاليتين لعضوية المجلس رغم انتهاكاتها الحقوقية الموثقة والمتواصلة.
كان من المفترض أن تراعي الجمعية العامة للأمم المتحدة إسهام الدّول المرشحة لعضويتها في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، وكذلك تعهداتها والتزاماتها الطوعية في هذا الصدد، حيث لم تُجرَ انتخابات أو اقتراع سريّ و لا حتى تقييم لسجل السعودية المخزي في مجال حقوق الإنسان، و لأن المقاعد موزعة على أساس جغرافي والمجموعة الأسيوية وضعت أربعة مرشحين من بينهم السعودية لأربعة مقاعد شاغرة مخصصة لها وهكذا ضمنت السعودية مقعدها حتى نهاية 2019 بسهولة.
وبحسب تقارير فقد أُصيبت حركة حقوق الإنسان بخيبة أمل شديدة وهي ترى السعودية تستعيد مقعدها في مجلس حقوق الإنسان رغم استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، و تدهوره بشكلٍ ملحوظ وخطير منذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد في يونيو/حزيران ٢٠١٧. وبالإضافة لأزمات الداخل فإنّها إذ تقود تحالفًا عسكريًا يشن حرباً على اليمن منذ مارس/آذار 2015، وتسببت غارات التحالف الجوية في مقتل وجرح الآلاف من المدنيين من بينهم العديد من الأطفال.
بقلم : وردة علي