تتوقع أوساط عريضة داخل الطيف السياسي، من وقت للآخر صدور قرار بتأجيل موعد انطلاقة الحوار المرتقب في انتظار أن تنضج الظروف أكثر لالتئام أدنى حد من الفاعلين السياسيين من شأنه أن يكسب المخرجات المطلوبة مستوى مقبولا من المصداقية.
وتستغرب أوساط سياسية الجزم المتكرر من طرف رئيس الجمهورية بأن "الحوار سينظم قريبا" خلال "3 أو 4 أسابيع"، في وقت أغلقت فيه قنوات الاتصال بين السلطة وقوى رئيسية من معارضتها وتحجم فيه أغلبية قوى المعارضة الأخرى عن إعلان موقف داعم لإطلاق الحوار بالشكل الذي يتم الترويج له.
تدعم هذه الأوساط استغرابها لهذه الطريقة في التعاطي مع الحوار، بأنه كلما تحدث الرئيس عن قرب انطلاقته كلما توترت العلاقة أكثر بين السلطة والمعارضة، بل كلما تصاعد الاحتقان بشكل عام ليشمل مناطق ودوائر جديدة، لدرجة يظهر معها الرئيس وكأنه لا يعي ما يقوله أو كأن هناك من يتعمد وضعه في مواقف محرجة من خلال جعل ما يتعهد به غير ممكن التحقيق.
ولعل الحديث عن الحوار وقرب انطلاقته في مدينة النعمة مؤخرا لا يخرج عن هذا الاطار، حيث تم مباشرة بعد هذا التصريح "إعلان حالة الطوارئ" وانتقلت العلاقة بين الأغلبية والمعارضة من حالة شبه قطيعة إلى حالة حرب وجدت من مختلف الأطراف من يتطوع بصب الزيت على لهبها المفتعل! والمثير للاهتمام أن الرئيس في خضم هذه الحرب يجدد من نواذيبو تأكيده بأن الحوار سينعقد في الوقت المحدد له! في مرحلة أولى تم تقديم لائحة طويلة من الأحزاب المعارضة المستعدة للمشاركة في الحوار، ومع تقدم الوقت تبين أن تلك التوقعات لم تعد دقيقة خصوصا مع إعلان قوى سياسية مثل التجديد والعدالة والمساواة وافلام، مواقفها من الحوار، وفي ظل بقاء المنتدى في باحة انتظار رد مكتوب على ممهداته لم يعد الحديث عنه مطروحا على جدول أعمال السلطة منذ بعض الوقت.
في الوقت الذي تتردد فيه أنباء أنه تم بالفعل اختيار الأربعاء القادم لإطلاق حوار يجري التشاور بشأنه ضمن نطاق لائحة محددة من الفاعلين جرى استهدافها عن وعي بمدى استعدادها للتجاوب مع دعوة السلطة، فإنه لا شيء يدفع إلى الاعتقاد بأن عملا جديا يقام به في هذا الاتجاه لدرجة أنه لا توجد جهة داخل السلطة حتى الآن تم تكليفها بهذا الملف، وأن التعويل للخروج من مأزق التوقيت يتركز حول مقترح بالتأجيل ينتظر تقديمه من طرف رئيس حزب التحالف الشعبي الذي يستعد هو الآخر لتجربة "موضة" ساحة بن عباس بعد أن تحولت إلى ممر إجباري لمن يحق لهم التحدث باسم الجماهير حين لم تعد الانتخابات قادرة على القيام بتلك المهمة.
هل سينقذ ولد بلخير الموقف مرة أخرى؟ أم أننا أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من انطلاقة "جيل" جديد من "الحوار" قد يسفر عن إصلاحات بالغة الأهمية تحتاجها الديمقراطية الموريتانية، لكن من دون أن يسعى لتحقيق التوافق الأهم بالنسبة لها؟ وهي بالفعل طريقة لتمكين عجلات الآليات الشكلية للديمقراطية من أن تظل في حالة دوران وإن كانت لا تضمن الاستقرار الحيوي بالنسبة للبلاد؟
هل يعني كل ذلك أنما ينقص حتى الآن هو الإرادة الضرورية لتنظيم حوار شامل؟ لا تترك حالة الاحتقان الراهنة والاستقطاب الحاد وتدافع المسؤوليات، مجالا للمغامرة بإعطاء جواب قطعي على هذا التساؤل، غير أنه تمكن الاشارة إلى أن الحكومة نجحت يوم أمس –حين بذلت الجهد الكافي- في جمع مختلف الفاعلين المعنيين على طاولة حفل انطلاقة المفاوضات بين الشركاء الاجتماعيين! وفي الواقع لا يعدو الفاعلون الاجتماعيون كونهم الوجه الآخر لعملة الفاعلين السياسيين، فكيف تنجح في جمع ألئك وتعجز عن جمع هؤلاء؟
أقلام