يقيناً أن في العراق ملفات كبيرة في الفساد، ولذلك صنف ضمن الدول الأكثر فساداً، ولا يحتاج الأمر لبحث طويل في حال مراجعة مستوى الخدمات والأداء التشريعي والتنفيذي والإعمار، وكل عراقي يستطيع شم روائحه التي تحيط به من كل جانب، ويرى أساليبه تنوعت ولا وجود لرادع فعلي، وتسمع أحاديث تبادل الإتهامات ودخان متطاير يدل على وجود نار محرقة تحت أقدام الشعب.
بين الإحساس واليقين بوجود فساد، ربما يصل المواطن لدرجة الوهم بأنه غير حقيقي او الكل متورط، فكيف كل هذا وأولئك المدعين بمحاربته لم يدينوا أحد بشكل صريح.
بين الحين والآخر يعلن لنا مسؤول حكومي أو جهة سياسية او سلطة رقابية، عن قضايا تدور حولها شبهات فساد، ويعتقد هؤلاء أن كثرة الحديث والتبجح بالنزاهة سيرفع من رصيدهم، ويجعلهم بعيدين عن الشبهات، والمشكلة كثيراً من هذه المعلومات غير حقيقية ولا مطابقة للواقع، دون معرفة لأسباب التصريح هل لفائدة تحقيقية بالفساد، أو إنها تعطي إنذار مبكر للمتورط للبحث عن وسيلة نجاة؟ وينتظر الداعون كسب غير ما مُعلن!
تخرج بعض التصريحات بأرقام تضخيمية لحجم الهدر، وتضلل الرأي العام وسلطة القانون والسياسة، وبعض منهم يوجه الإتهام لأبرياء ويجعلهم محل المتهمين وتخلط الأوراق، ويفسح المجال للمتورط لتدارك أمره وترتيب أوراقه والبحث عن سبيل صفقات لغلق الملف، ويُطاح بالبريء ويُعطل العمل الرقابي والقانون، والأدهى من ذلك أن يكون مقصد كل هذا لتنبيه وإبتزاز المتورطين، أو كسب شعبي برداء النزاهة والحرص، وبالنتيجة تختزل المحاسبة بقضية هامشية، وكم مليار سرق وتم محاسبة الفاعل على تجاوز رصيف وحُكم مع وقف التنفيذ.
إن عمل السلطات الرقابية ولجان التحقيق والسلطة التنفيذية والبرلمانية، ليس من واجبها التحدث عن طريق وسائل الإعلام عن الفساد، وأن لا تتخذ من ملفات الفساد وسيلة للمتاجرة والتصفية السياسية والإبتزاز، لذا ما فائدة الإعلان والتصريح والتهديد بملفات فساد، وأن كانت حقيقية فلماذا لا يكون تنفيذ؟ ويبدو أن معظم من إتخذوا من وسائل الإعلام سبيل لهكذا إعلانات، لا يرومون سوف فعل عكسي للعمل المؤسسي، وبالنتيجة هم شركاء لسعيهم لإبتزاز الطرف الآخر أو المكسب الشخصي أو تعطيل عمل المؤسسات ومشاركة للتغطية على ملفاتها الغاطسة بالفساد.
إتهام الأبرياء أو تشويه الحقائق وتضليل الرأي العام، يرقى الى مستوى اطلاق النار على المؤسسات والمدافع عن الحق؛ لفسح المجال لإكمال الجريمة.
لا أحد ينكر وجود الفساد، ولكن الحديث الطويل العريض، ليس سوى فوضى للإستهلاك والدعاية الإعلامية، وجعجعة دون طحين، وتهديد ووعيد لم يلمس المواطن منها حقيقة على الأرض، الى درجة وصل الى قناعة وكأن الفساد متجذر، وكل من تحدثوا عنه بالإعلام، أما كبلتهم قوى سياسية ترتبط بهم ومتورطة بالفساد، أو إستخدموه كوسيلة للإبتزاز والدعاية، والأهم ربما يكون لهدف تعطيل عمل المؤسسات الرقابية والقضائية، لأنهم يعلنون للمتهم، وكأنهم يقولون له إهرب، وهم طرف آخر للتستر على الفساد في السر، ويد فاسدة تحمل معول لتهديم المؤسسات، وسيف من ورق لمحاربة الفساد، وأما أن كان هدفهم حرب فعلية، فهم الأقرب للقنوات القانونية، ولا داعي للإعلان والإعلام.