العراق ليس البلد الاول والأخير، الذي يتعرض للاحتلال او التغيير، كثير من الدول التي مرت بما يمر به العراق، مشاكل داخلية وخارجية, تدهور سياسي واقتصادي, فساد مالي واداري, تجارة سياسية على حساب المواطن والبلد, وغيرها الكثير من المشاكل، التي تشكل الاحباط لدى الشارع، وهذا الامر طبيعي بحد ذاته، فالاحتلال يفتح الأبواب اما الصراعات الخارجية والداخلية المبنية على المصالح، فضعف الحكومة يسهل من عملية اختراق الدولة، بكافة مؤسساتها التشريعية والتنفيذية، من قبل مخابرات الدول الخارجية التي تبحث عن مصالحها أين ما حلت.
هناك فرق بين الشعوب، فغالبية الشعوب تبحث عن مصالح بلدانها، وتقدمها على مصالها الخاصّة، الا البعض من الشعب العراقي، فيقدمون مصالحهم الخاصة على المصالح العامّة، ويوالون الخارج على حساب الوطن، فتراهم مقسمين في ولاءاتهم بين الشرق والغرب، بين الشمال والجنوب، يحاربون بعضهم الآخر بإسم الوطنية، ويتهمون بعضهم الآخر بالخيانة، وهذا هو الخطر الأكبر الذي يتعرض له العراق، من الداخل لينفذ سياسة وخطط الخارج.
عرضت قناة (NRT) العربية، في برنامج (اتجاهات)، فتفاجأت بكلام الناشط المدني (محمد هلال) عندما سأله مقدم البرنامج عن سبب دعوته لمقاطعة الانتخابات النيابية، فقال بالحرف الواحد "نحن نريد ان نقضي على العملية السياسية برمتها!" السؤال لماذا تسعون الى هدم العملية السياسية؟ ما هو البديل لديكم؟ وكيف يمكنكم ان تعيدوها الى طريقها الصحيح؟ أسئلة واستفهامات كثيرة، تدور حول دعوى هلال، وهو يصرح من (باريس) عبر الفضائيات، الى مقاطعة الانتخابات, وهدم العملية السياسية، التي دفع الشعب العراقي الكثير من الدماء لأجلها.
الاصلاح لا يأتي بالجملة، ولا يكون بين ليلة وضحاها، ولا يتم بمجرد كتابته على الورق، او التحدث به من على شاشات التلفاز؟ الاصلاح عمل حثيث ومتواصل بدون انقطاع, تصحيح لمسارات خاطئة, توعية مكثفة للجماهير, تصدي الوطنيين والشرفاء للعمل, استبدال متواصل للفاسدين والفاشلين, تطبيق القوانين والقرارات الدستورية الصحيحة، وهذا لا يأتي فقط بالأقوال، وإنما عن جهد حثيث وأفعال صادقة، لا دعوات كاذبة عبر الفضائيات، من يريد الاصلاح فليعود الى ارض الوطن, ويجلس بين أهله, ويرفع شعار الاصلاح بصدق، لا يلبسه كرداء ليجمل صورته امام الناس.
فمن يحملون مشروع التدمير لا يمكنهم البناء، فالهدم والبناء نقيضان لا يلتقيان، لأن الانتخابات هي السبيل الوحيد للتغيير والتصحيح, وهي الطريق الذي لا تنزف فيه الدماء، ولا يأتي الاصلاح عبر دورة واحدة او دورتين، وإنما عبر مراحل متعدّدة ومتواصلة، وهذا ما مرت به الكثير من بلدان العالم, وهناك شواهد كثيرة لسنا في محل ذكرها، فإن دعوى اصحاب مقاطعة الانتخابات، جاءت من معرفتهم المسبقة بفشلهم القادم، لتكون ورقة عذر جاهزة عند خسارتهم، فغالبية الشعب العراقي ليسوا بهذه السذاجة التي يتحدثون بها، ففيهم الواعي والمثقف, والشريف والصادق.
هناك محاولة لقتل الامل، عبر التغيير المرتقب، داخل نفوس الشعب، بإطلاق التصريحات الكاذبة والمدلسة نوعاً ما، والتي تطلق قبل حدوثها، كـ إنتخابات مزورة, ايران تسيطر على العراق والعملية السياسية, سيطرة رؤساء الكتل على كتلهم, الكل فاسدين حتى المرشحين الجدد، وهذا ما اثر بطبيعة الحال على العقل الجمعي للمواطن، الذي اختلط عليه الحابل بالنابل.
رضوان العسكري