لقد كانت حياة موسى بن جعفر عليه السلام المليئة بالأحداث، حياةً مليئةً بالمفاجآت والحماسة. نحن اليوم ننظر فنظن أنّ موسى بن جعفر عليه السلام هو مجرّد شخص مظلوم يعيش حياةً هادئةً ومرفّهة في المدينة، فيأتي عمّال الخليفة إليه ويأخذونه إلى بغداد أو إلى الكوفة أو إلى البصرة، لحبسه وتسميمه فيما بعد، فيستشهد وتنتهي الأمور!
الكاظم ( عليه السلام ) إنما لقّب بذلك لما كظمه من الغيظ عما فعل به الظالمون من التنكيل والإرهاق حتى قضى شهيداً مسموماً في ظلمات السجون لم يبد لأحد آلامه وأشجانه بل قابل ذلك بالشكر لله والثناء عليه
وقد كانت مدرسته العلمية الزاخرة بالعلماء وطلاّب المعرفة تشكّل تحدّياً إسلامياً حضاريّاً وتقف أمام تراث كل الحضارات الوافدة وتربي الفطاحل من العلماء والمجتهدين وتبلور المنهج المعرفي للعلوم الإسلامية والإنسانية معاً.
كما كانت نشاطاته التربوية والتنظيمية تكشف عن عنايته الفائقة بالجماعة الصالحة وتخطيطه لمستقبل الأمةً الإسلامية الزاهر والزاخر بالطليعة الواعية التي حفظت لنا تراث ذلك العصر الذهبي العامر بمعارف أهل البيت(عليهم السلام) وعلوم مدرستهم التي فاقت كل المدارس العلمية في ذلك العصر وأخذت تزهر وتزدهر يوماً بعد يوم حتى عصرنا هذا
لقد بقي هذا الإمام العظيم ثابتاً مقاوماً على خط الرسالة والعقيدة لا تأخذه في الله لومة لائم حتى قضى نحبه مسموماً شهيداً محتسباً حياته مضحّياً بكل ما يملك في سبيل الله وإعلاءً لكلمة الله ودين جدّه المصطفى محمد(صلى الله عليه و آله)في الخامس والعشرين من رجب
ومن هذه النظرة الواقعية فقد اشار الاستاذ المحقق الصرخي في كتابه نزيل السجون عن حياة الامام موسى بن جعفر التي قضها في طوامير السجون المظلمة حيث قال :
((السلامُ عليكَ يا سيدي ومولاي وإمامي وإمام العالمين، السلام عليك يا نزيلَ السجون، يا مُغيَّب في الطامورات، أشهدُ أنّك قد بلَّغتَ عن الله ما حمّلك وحفظت ما استودعك وحلّلت حلال الله وحرّمت حرام الله وأقمت أحكام الله وتلوت كتاب الله وصبرت على الأذى في جنب الله وجاهدتَ في الله حق جهاده حتى أتاك اليقين، وأشهدُ أنَّك مضيت على ما مضى عليه آباؤك الطاهرون وأجدادُك الطيبون الأوصياء الهادون الأئمة المهديون، لم تؤثر عمىً على هدىً ولم تَمل من حقٍّ إلى باطل .
يا مولاي أنا أبرأ إلى الله من أعدائك وأتقرّبُ إلى الله بموالاتك فصلّى الله عليك وعلى آبائك وأجدادك وأبنائك وشيعتك ومحبِّيك ورحمة الله وبركاته .))
مقتبس من كتاب (نزيل السجون) للمحقق الأستاذ الصرخي
احمد الركابي