نشرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية ما وصفتها ببرقيات سرية صادرة عن سفارتي الإمارات والأردن في بيروت، تكشف النقاب عن الأدوار التي يمارسها سفيرا هذين البلدين في لبنان، وتشير إحداها إلى أن ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد يعمل على تفكيك السعودية.
وتشير الصحيفة إلى أن البرقيات تتحدث عن الفترة التي سبقت إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في كلمة متلفزة من الرياض، وذلك قبل أن يتراجع عنها لدى عودته إلى بلاده.
خسارة وتخبط
وتشير برقية مسربة صادرة يوم 20 سبتمبر/أيلول الماضي صادرة عن السفير الأردني نبيل مصاروة إلى ما قالت إنه محضر لقاء جمعه بالسفير الكويتي عبد العال القناعي، ونقل عنه “أن السعودية خسرت في كل مكان وخاصة في لبنان.. وتعكس زيارة سفيرها السابق في بيروت ثامر السبهان واجتماعه مع قوى 14 آذار تخبط سياسة المملكة، ولن ينتج منها إلا توتر إعلامي فقط، وهي ليست سوى محاولة من السعودية لإثبات وجودها في لبنان”.
كما ينقل مصاروة عن السفير الكويتي -بحسب البرقية- أن “ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد يعمل على تفكيك المملكة العربية السعودية”، وأن إشادة إمام الحرم المكي عبد الرحمن السديس بالملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الأميركي دونالد ترمب غير مسبوق في تاريخ إمامة الحرم الشريف، وذلك لتدخله في الشؤون السياسية، وهذا ما سيفقده المصداقية الدينية لدى المسلمين في الداخل والخارج”.
كما أشارت الصحيفة اللبنانية إلى أن سفير الكويت قال -بحسب البرقية- “إن استقبال السعودية أحد شيوخ آل ثاني المقيم في السعودية منذ فترة طويلة، حيث اكتشف وجوده بمحض الصدفة من قبل السلطات السعودية نتيجة تقدمه ببلاغ بفقدانه بعض الإبل من مزرعته المقيم بها، حيث تم استدعاؤه للقاء الملك سلمان واكتشفوا أنه ليس بالمستوى الذي يمكن الاعتماد عليه، لذلك اتجهوا إلى ابن أحد الشيوخ الآخرين الذي يمت بصلة إلى الشيخ سحيم للقيام بدعمه والترويج له لأحقيته بقيادة بلاده”.
الملف اللبناني
وتكشف برقية ثانية صادرة يوم 28 سبتمبر/أيلول 2017 محضر لقاء جمع السفير الأردني مع نظيره الإماراتي حمد بن سعيد الشامسي، ونقل عنه قوله إن “السعودية تتخبط في الداخل والخارج خاصة في لبنان، ورغم عدم رضاها عن سعد الحريري إلا أنه لا غنى عنه، حيث نصحت الإمارات بعدم الاعتماد على أشرف ريفي وزير العدل السابق في طرابلس، وذلك لالتفاف الحركات الإسلامية حوله، علماً بأن المساعدات التي يتلقاها ريفي هي من رجل الأعمال في دبي خلف الحبتور، وليست من الحكومة الإماراتية”.
كما تكشف البرقية أن “ابن زايد غير راض عن الحريري لأسباب خاصة، حيث وقف إلى جانبه عندما رفعت السعودية الدعم عنه، لكنه أدار ظهره للإمارات بعد ذلك، وقد حاول السفير الإماراتي ترتيب زيارة للحريري إلا أن طلبه قوبل بالرفض. كما لم ينكر السفير قيام الشيخ محمد بن زايد بتقديم المشورة والنصح للسعودية، إلا أنهم في الإمارات غير راضين عن طريقة عمل السعودية”.
كما ينقل السفير الأردني عن نظيره الإماراتي قوله -بحسب البرقية- إن “سامي الجميل وسمير جعجع ووليد جنبلاط وسعد الحريري توجهوا إلى السعودية صباح ذلك اليوم، حيث نشرت الصحف في عناوينها سعي السعودية لتشكيل جبهة سياسية جديدة ولملمة قوى 14 آذار، في محاولة منها لإثبات وجودها في لبنان، الذي اعتراه الضعف لصالح حزب الله ومحالفيه، لكن السفير الإماراتي يرى أنها خطوة متأخرة وبدون جدوى”.
ويضيف الشامسي أن “ملف لبنان ليس في يد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، بل في يد وزير شؤون الخليج العربي ثامر السبهان، حيث أعلن في ذلك اليوم عن ترشيح سفير سعودي جديد هو وليد اليعقوبي الذي يعمل كأحد مساعدي السبهان”.
التصويت لقطر
كما نشرت صحيفة “الأخبار” برقية من السفير الإماراتي إلى بلاده بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتحدث فيها عن “توارد معلومات عن أن لبنان صوّت لصالح قطر في انتخابات منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة (يونيسكو)، وأن الحريري كان على علم بذلك، وقد التقى مع وزير الخارجية جبران باسيل على أهداف مشتركة من هذا التصويت: الأول أن الحريري يريد إيصال رسائل إلى السعودية لأنها غير مهتمة بأمره، ولأن لديه علاقات اقتصادية مع قطر، وهو ما يثير حنقاً سعودياً كبيراً عليه، لأن هناك معلومات عن تلقي الحريري دعماً مالياً يفوق مئة مليون دولار. أما باسيل فهو يريد مواجهة السعودية لأنها غير راضية عن أداء رئيس الجمهورية ميشال عون والعهد بكامله، ولأنها تريد محاصرته بسبب موالاته لحزب الله وإيران، وبالتالي أراد الرد على مواقف السعودية من خلال هذه الرسالة”.
كما يتحدث السفير الإماراتي في برقيته عن أن “التصويت فجّر أزمة داخل تيار المستقبل، إذ خرج وزير الداخلية نهاد المشنوق للرد على كل هذه التنازلات، كما خرج معترضاً على تصويت لبنان لقطر والوقوف بوجه مصر والسعودية ودول خليجية أخرى”.
ويشير الشامسي -بحسب البرقية- إلى أن “المشنوق يرى أن مصر كان لها دور أساسي في التسوية الرئاسية وفي التقريب بين السياسيين اللبنانيين، وهو يتحدث بالمواقف الإستراتيجية وليس بالحسابات الضيقة”.
الحريري والمشنوق
وتشير معلومات متابعة للعلاقة بين الحريري والمشنوق -بحسب برقية السفير الإماراتي- إلى أن “وزير الداخلية اللبناني يعتبر مواقف رئيس الحكومة متراجعة جداً ومن شأنها أن تخسره في الانتخابات النيابية، وهو يقدم الكثير من التنازلات لصالح تحالف نادر الحريري وجبران باسيل، ولذلك يأخذ مواقف تؤيد كل ما ينتهجه التيار الوطني الحر”.
كما “يرى المشنوق أن الحريري يقدم الكثير من التنازلات، وكان آخرها التشكيلات القضائية التي أقرت بداية أكتوبر/تشرين الأول 2017. وبعد أن كان الحريري يعترض على هذه التشكيلات، عُقد اجتماع بين نادر الحريري وجبران باسيل قبل إقرار التشكيلات بيوم واحد، وانتهى إلى موافقة الحريري من دون تعديلات، وهذا ما أدى إلى حصول إشكال داخل تيار المستقبل، وانعكس في انتقاد المشنوق لسياسات الحريري”.
وتشير البرقية إلى أن “المشنوق يذهب في مجالسه الخاصة إلى اعتبار أن الحريري يتخذ مواقف ضد السعودية بشكل غير علني، وذلك لإيصال رسائل لها بضرورة الحصول على أموال، لأنه غير قادر على الاستمرار بدون الحصول على دعم مالي، وهو يزايد على الحريري لأنه يشعر أنه مهدد في الانتخابات النيابية، لأن استطلاعات الرأي تقول إنه صاحب الأصوات الأقل، وذلك بسبب مواقفه المؤيدة لحزب الله منذ إحضاره رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا إلى طاولة الاجتماع التي ضمت القادة الأمنيين في وزارة الداخلية. لذلك يلجأ المشنوق إلى التصعيد لإعادة كسب الأصوات”.
كما يكشف السفير الإماراتي في برقيته أن “لكل من الحريري والمشنوق حساباته الخاصة، فللحريري حسابات سياسية تتلاءم مع وجهة نظر باسيل وحزب الله للبقاء في السلطة، بينما المشنوق يجد أن عليه التصعيد في المواقف الكلامية ضد هذه التسوية لتعزيز قاعدته الشعبية عبر الإشارة إلى عدم الوقوف إلى جانب باسيل الذي أيّد قطر في انتخابات اليونيسكو بمواجهة مصر التي يعتبر المشنوق نفسه رجلها الأول في لبنان. فالحريري يعتبر أن التسوية هي الأساس ويجب الحفاظ عليها مهما كلف الأمر، أما المشنوق فيعتبر أن على الحريري اتخاذ قرار بوقف التنازلات كي لا يخسر الانتخابات”.