إن تعاطي النظام السعودي مع مسألة الحج يتسم بمزاجية واضحة وذلك في إطار ممارسة بعض الضغوطات على بعض الدول والحكومات التي تربطها مصالح وعلاقات دبلوماسية واقتصادية وسياسية مع الرياض وفي كل عام تعلو الأصوات المنتقدة والمتهمة للنظام السعودي نظراً لقيامه بتسييس الحج قبل موسمه أو بالتقصير في إدارة شؤون الحج وعدم الاهتمام بتأمين سلامة الحجاج على الوجه الأكمل.
وهذه الاتهامات والانتقادات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بوجود أزمة حقيقية يحاول النظام السعودي تجاهلها أو نفيها على أقل تقدير وهنا تؤكد العديد من التقارير الإخبارية بأن الحكومة السعودية تقوم برفع حصّة الحجاج للعديد من الدول التي تقوم بدورها باتخاذ بعض المواقف السياسية المساندة للرياض على الساحة الإقليمية والعالمية ولذا ومع اقتراب موسم الحج في كل عام، تعلو الأصوات في العديد من بلدان العالم الإسلامي والعربي للمطالبة بفصل الحج عن السياسية وعدم استخدام السعودية لهذه الشعيرة الدينية في إطار مشاريعها السياسية.
يُذكر أن النظام السعودي وكعادته يرفض هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً ويقول بأن السعودية ستبقى الوحيدة المختصة بتنظيم الحج، دون أي تدخلات خارجية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولكن بعض الدول الإسلامية والعربية رفضت هذا التعنت السعودي وقدمت الكثير من البيانات والتقارير التي تثبت وتؤكد وجود خلل جذري في أسلوب الإدارة وما يتعلّق بسلامة الحجاج، فقبل عدة أيام قامت نقابة الأئمة في تونس بتوجه دعوه إلى مفتي الديار التونسي لإصدار فتوى تبطل الحج لهذه السنة وذلك بسبب ما أسمته بـ “استغلال النظام السعودية لأموال المسلمين في الحروب لقتلهم”.
وحول هذا السياق أكد “فاضل عاشور” نقيب نقابة الأئمة، قائلاً: “إن هذه الدعوة ليس لها أي خلفية سياسية بل تهدف إلى لفت الانتباه للضرر الحاصل مما تسببه الأموال التي تذهب للنظام السعودي والتي لا تُستغل لدعم الفقراء والمحتاجين المسلمين في العالم بل على العكس لقتلهم وتشريدهم كما هو الحال الآن في اليمن”.
وفي سياق متصل أعرب عضو الرابطة المحمدية للعلماء المسلمين في المغرب الشيخ “عبد الحافظ صادق”، قائلاً: “إن استغلال السعودية للحج للضغط على الدول الإسلامية والعربية لتبنّي سياساتها أو حتى لرشوة أشخاص سياسيين وإعلاميين ودبلوماسيين ليكونوا أبواقاً لها، يدافعون عن مصالحها وخصوماتها مع الدول الإسلامية الأخرى أمر مرفوض شرعاً وقانوناً”، ولفت إلى أن هذا السلوك البشع قد لمسه العالم أجمع خلال موسم الحج الماضي عندما قامت الحكومة السعودية بمنع الأشقاء القطريين من أداء فريضة الحج لأسباب سياسية وأشار الشيخ “صادق” إلى أن ما حصل مع قطر ليس بالأمر الجديد، بل تكرّر سابقاً مع إيران وقبلها مع سوريا واليمن، فضلاً عن دول أخرى.
من جانبه، أعتبر الناشط الحقوق السعودي “يحيي عسيري”، أن هذا التوظيف الكامل للحج واستغلاله سياسياً واقتصادياً هو استغلال واستخدام لبيت الله الحرام وليس خدمة له ولضيوف الرحمن ولفت قائلاً: “إن ما يحدث الآن هو محاولة لترسيخ وتقوية دعائم السلطة التي تستبد بالإدارة والقرار وحتى بالتفسير الديني للدين الإسلامي الحنيف وتستبد بكل ما يجري على هذه الأرض حتى المقدسات، التي أصبحت مثل الرهن الموجود تحت السلطة السعودية”.
وفي الإطار نفسه صرّحت الحكومة السورية بأنَ السلطات السعودية تواصل فرض قيودٍ على المواطنين السوريين وتمنعهم من أداء فريضة الحج وذلك بسبب عدم وجود أي علاقات دبلوماسية بين الرياض ودمشق، ومنذ العام 2012، طلبت السعودية من جميع السوريين المتطلعين لأداء فريضة الحج الحصول على تأشيرات دخول من سفارتها الموجودة في بلدان أخرى غير سوريا.
من جهتها أبدت الحكومة الماليزية رفضها التام لأي محاولة لتسييس فريضة الحج وأعربت بأنه لا ينبغي أن تلعب السياسة دوراً في تشويه المسؤوليات الدينية تجاه الأمة الإسلامية.
وفي الهند خرج الآلاف من المسلمين في مظاهرة ضد النظام السعودي الذي حرم الكثير من المسلمين من أداء شعائر الحج ورفع المحتجون لافتات مناهضة للسعودية تطالب بعدم تسييس الحج وعدم ربط الخلافات السياسية مع الدول بأداء مناسك الحج والعمرة، كما طالب المحتجون بتحرير المشاعر الإسلامية من الإدارة السعودية.
وفي إندونيسيا نظمت الهيئة الدولية لمراقبة إدارة الحج وقفة احتجاجية بمشاركة عدد من المؤسسات المحلية والعالمية واتحادات طلبة الجامعات الإندونيسية ولقد طالب المتظاهرين السلطات السعودية بإشراك الدول والمؤسسات الإسلامية في إدارة الحرمين الشريفين ودعوا إلى عدم استخدام فريضة الحج كورقة سياسية لممارسة الضغوطات على بعض الدول الإسلامية والعربية.
ونظراً لكل هذه الانتقادات الموجّهة للنظام السعودي، فإنه ينبغي على الدول الإسلامية والعربية الوقوف في صف واحد لمنع حكومة الرياض من تسييس الحج وتوظيف هذه المشاعر المقدسة في خلافاتها السياسية التي توسعت وطالت الكثير من الدول العربية واستغلتها في ابتزاز الأنظمة الإسلامية والشعوب لتحقيق أهدافها السياسية.