تحتفل المملكة السعودية بمرور عام على تعيين ولي عهدها محمد بن سلمان في منصبه، ويتم التركيز في الكثير من المنابر الإعلامية والسياسية على الأعمال والانجازات التي حققها الرجل في قيادته لكثير من الملفات وفي وقوفه مباشرة خلف الكثير من القرارات، علما أن قسما هاما من هذه القرارات أحدثت بلبلة في الشارع السعودي وفي توجهات وصورة الحكم الذي سيكون في المملكة في قادم الأيام.
بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لتولي ابن سلمان ولاية العهد انطلقت رسميا وبحسب ما أعلنت عنه قوى التحالف للحرب على اليمن(الذي أعلن ابن سلمان عنه منذ أن كان وليا لولي العهد)، ما اسمته معركة السيطرة على الحديدة في الساحل الغربي لليمن، حيث حشدت لهذه المعركة الكثير من القوات العسكرية متعددة الجنسيات وعلى رأسها القوات السعودية والإماراتية وبمشاركة مباشرة من الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين.
تحذير من انتهاكات بالحديدة!!
وبالسياق أثيرت مسألة فرضيات كبيرة لحصول انتهاكات لحقوق الإنسان بحق اليمنيين في الحديدة في ظل كل هذا التحشيد الذي ترافق مع تحشيد إعلامي وسياسي ضخم الهدف الأساسي منه خداع الرأي العام العالمي وعموم الناس في الأمة والعالم أن هناك مبررات إنسانية وأمنية إقليمية ودولية تدفع لكل هذا التدخل العسكري، بما يبرر حصول ما قد يحصل من مجازر وممارسات متوقعة نتيجة صعوبة المعركة هناك وعدم القدرة على التقدم بسهولة فيما لو تم الالتزام بقواعد القانون الدولي لا سيما القواعد المنظمة لزمن الحرب والأعمال العسكرية خلاله.
وبهذا الإطار ارتفعت الأصوات الأممية المحذرة من الانتهاكات المرتقبة بالحديدة وكان من أبرز المواقف التي صدرت عن المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين الذي عبر “قلقه البالغ من هجوم التحالف بقيادة السعودية والإمارات على ميناء الحديدة اليمني”، وقال إن “الهجوم يعرض ملايين المدنيين للخطر وقد تتسبب في خسائر كبيرة بين المدنيين وقد يكون لها أثر كارثي على إيصال المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة لملايين الأشخاص والتي تأتي عبر الميناء”، هذا الكلام الذي وصف بالتقدمي والجيد لاهتمامه بمسألة حقوق الإنسان في اليمن ولإضاءته على الانتهاكات السعودية والإماراتية هناك، أُخذ عليه أنه تجنب خلال الجلسة العامة لمجلس حقوق الإنسان الذي انعقد بجنيف بسويسرا قبل أيام، التعرض لمسألة حقوق الإنسان داخل المملكة السعودية وما يتعرض له أبناء الشعب من ضغوط واعتقال وممارسات تصنف على أنها انتهاكات واضحة وجسيمة لحقوق بني البشر واعتداء صريح على حرياتهم.
ضغط سعودي رسمي على مجلس حقوق الإنسان؟
هذا الموقف للمفوض السامي لحقوق الإنسان طرح العديد من علامات الاستفهام والتساؤلات حول الدافع من التغاضي عما يجري في المملكة السعودية من تعرض لحقوق الإنسان وانتهاكات واضحة للحريات وقمع الأصوات الحرة واعتقالات تمت بالجملة خاصة بعد تولي ولي العهد السعودي الحالي مهامه في إدارة الكثير من الملفات، كما أثيرت مسألة غياب الناشطين الحقوقيين السعوديين أو الممثلين للمجتمع المدني عن اجتماعات مجلس حقوق الإنسان، فهل هذه الأمور هي مجرد صدفة عابرة أم أنها سياسة متعمدة من قبل المجلس بضغط سعودي رسمي بهدف قمع الأصوات الحرة في الداخل والخارج التي ترتفع لانتقاد السلطة والحاكم الأوحد في البلاد؟
وفي هذا الإطار، أوضح رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان علي الدبيسي أنه خلال افتتاح الدورة ٣٨ لمجلس حقوق الإنسان لم يوجد في جنيف أي فرد من داخل المملكة السعودية يمثل المجتمع المدني، ولفت إلى أن آخر ناشطة حضرت كانت سمر بدوي في سبتمبر ٢٠١٤ بعدها منعت من السفر وبعدها لجين الهذول في فبراير ٢٠١٨، وأكد الدبيسي أن “غياب النشطاء من داخل البلد يؤكد الطبيعة البوليسية لحكومة السعودية”.
ارتفاع وتيرة الاعتقالات في المملكة..
وبالطبع هذا الغياب للناشطين السعوديين أو تغييبهم عن مجلس حقوق الإنسان سببه الأكيد والمباشر هو الملاحقات التي تطال كل من يرفع الصوت في الداخل والخارج للتعبير عن رأيه في مسألة لها علاقة بالشأن العام أو بممارسة السلطة السياسية والإدارية في المملكة، وخير دليل على ما نقول أن وتيرة الاعتقالات في المملكة ارتفعت بعد وصول ابن سلمان إلى ولاية العهد وهي خلال العام الماضي بلغت ذروتها ليس فقط من حيث الكم إنما أيضا من حيث نوع أو بمعنى آخر من حيث الفئات التي تم استهدافها من قبل السلطة الحاكمة، فولي العهد السعودي لم يترك أحدا “فوق رأسه خيمة” كما يقال، فهو أطلق العنان لسياسة الاعتقال بكل الاتجاهات ولم يوفر منها حتى أبناء العائلة السعودية الحاكمة الذين طالتهم الاعتقالات بحجج مكافحة الفساد، ومعهم تم الزج بالسجون العديد من رجال الأعمال الذي كانوا دائما إلى جانب الحكم السعودي.
كما أن الاعتقالات لم توفر رجال الدين من المذهب الوهابي ومن السلفية المتشددة التي ساهمت تاريخيا بدعم الحكم والسلطة السياسية في المملكة، في حين أن الاعتقالات تواصلت بحق النشطاء سواء من أبناء المنطقة الشرقية أو غيرهم في عموم البلاد، وعموما تم اعتقال مجموعة من الناشطين ممن يطالبون بحقوق المرأة ومن بينهم نساء في تأكيد على غياب أي باب من أبواب الحرية في المملكة، على الرغم من كل ما يتم الترويج له في الإعلام السعودي بأن ابن سلمان يناصر حصول المرأة على حقوقها وأنها فرد كغيرها في المجتمع لها ما للرجال وعليها ما عليهم، لكن يبدو أن الرجل فهم المساواة بين الجنسين بشكل خاطئ لأن المطلوب المساواة بينهم بإعطاء الجميع حقوقهم وحرياتهم لا المساواة بينهم بالقمع وكم الأفواه والزج بالسجون.
المنظمات الحقوقية غائبة.. ومتهمة
كل هذه الأمور والتجاوزات تجعل المنظمات الحقوقية والدولية في قفص الاتهام لأنها تصمت وتتكتم عن ممارسات السلطة في المملكة وتتغاضى عن الحقوق الضائعة والمنتهكة للناس هناك، لذلك يجب أن تكون الذكرى الأولى لتولي محمد بن سلمان ولاية العهد محطة لتذكير هذه المنظمات بدورها الواجب عليها القيام به بالدفاع عن القيم الإنسانية والحقوقية وعدم إدارة الظهر للشعب المقهور في المملكة وتركه يواجه مصيره المحتوم في ظل غياب كل أمل بإعطاء الحقوق لأصحابها وفتح الباب أمام الحريات العامة، خاصة أن ولي العهد اليوم يرجح أنه سيصبح ملكا في المملكة السعودية وهو ينوي ويعمل ليبقى في الحكم لعشرات السنوات القادمة، ما يعني أن هذا الواقع إذا لم يتغير يحضر لتكريسه طويلا.