غالبا ما ينوء اشخاص بمسؤوليات تفرض عليهم الظهور اعلاميا بكثرة سواء على صعيد تبيين مواقف بلادهم او مواقف الجهة المخولة لهم بناء على المسؤولية المناطة اليهم. لكن بعض الاشخاص يتمادون في هذا المجال الى حد ان غيابهم لفترة قصيرة يثير استغراب الراي العام و المحللين، حيث تطرح تساؤلات عدة عن اسباب الغياب هل هو اختياري ام قسري .
لو تجاوزنا الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي هو في الاساس شخص استعراضي غني عن التعريف، فان هناك شخصيتين جالا وصالا خلال الفترة الاخيرة على الصعيد الدولي وتحدثا عن امور اكبر من حجمهما وبشان كل ما هب ودب ولذلك فان غيابهما عن الساحة فجاة كما قلنا سابقا يثير الكثير من التساؤلات . نعم الكلام يدور عن ولي العهد السعودي الغر محمد بن سلمان ووزير خارجية المملكة عادل الجبير .
بداية مع ولي العهد السعودي الذي قطع وعدا بحسم الملف اليمني خلال اسبوعين ، وها نحن ندخل العام الرابع ولا حسم وحزم ولا "بطيخ" كما يحلو للبعض ان يقول بالعامية . اما الكلام عن رؤية 2030 فحدث ولا حرج لانها ومنذ ان طرحها بن سلمان اكد البعض انها محكومة بالفشل نظرا الى انها بنيت على اسس وهمية تعجز كبرى الدول عن تحقيقها فكيف بالمملكة التي تفتقد الى ابسط البنى الحداثوية اللهم الا في مجال التقدم اللافت الذي حققته خلال الفترة الاخيرة على صعيد الانحلال الاخلاقي بذريعة الاصلاحات التي يعرف الجميع انه جرى تطبيقها من قبل الامير الغر لكسب قاعدة شعبية تؤهله لتسنم سدة الحكم بلا اي منافس . اما احداث فندق الريتز كارلتون واعتقال الامراء والاثرياء بذريعة مكافحة الفساد فهي غنية عن التعريف ، الجميع بات يعرف ان ترامب حين طالب البقرة الحلوب بما يشبه دفع "الجزية" نظير الحماية والخدمات التي توفرها الولايات المتحدة لها، فكان على بن سلمان ان يحصل على هذه الاموال من مكان اخر لان امواله هو بل الاصح اموال المملكة مخصصة لشراء اليخوت الفاخرة واللوحات الفنية وما الى ذلك التي ستدر على فقراء السعودية بالاموال وستوفر لهم الرفاهية والرخاء . اما قوله في مقابلة مع صحيفة "ذي أتلانتيك" حول عدم معارضته لقيام دولة لليهود في "إسرائيل"، وإن لدى بلاده كثيراً من المصالح مع هذا الكيان فقد شكلت كبوة الجواد التي لا تغتفر، وهذا ما حدا بملك البلوت ان يسحب الملف من امير اليخوت تحاشيا لموجة الغضب والعداء التي بدأت تنتشر لدى غالبية الشعوب المسلمة احتجاجا على الدور المشبوه للمملكة حيال القضية الفلسطينية. اما ما سيقوم به الملك سلمان فيما يخص القضية الفلسطينية فهو مسكوت عنه في هذا المقال .
الكلام عن الامير الغر انتهى في هذه العجالة لننتقل الى وزير الخارجية عادل الجبير الذي عرف منذ الايام الاولى لتوليه حقيبة الخارجية بمواقفه المتطرفة حيال اي قضية وتجاه اي جهة اللهم باستثناء الولايات المتحدة التي يعتبرها صاحبة فضل عليه ولذلك تمادى ويتمادى في استمالتها .
البعض ربط غياب الجبير عن الساحة وفقدانه لبريقه خلال الفترة الاخيرة لامور عدة منها اقرار قانون “جاستا” (قانون العدالة في مواجهة الإرهاب) من قبل اميركا والذي أثار موجة انتقادات غير مسبوقة لأداء الدبلوماسية السعودية . اما هفوته فيما يخص تصريح ترامب حول ضرورة دفع الدول الخليجية ضريبة لحمايتها ومحاولته الايحاء بان المقصود منها كانت قطر فقط ، فراى البعض انها ان صدرت من منطلق صلافته السياسية فهي مصيبة وان صدرت بسبب عدم فهمه للتصريح من الناحية السياسية فهي مصيبة اعظم . اما القشة التي قصمت ظهر البعير ولم يظهر بعد ذلك الجبير ولم يصرح الا في مناسبات معدودة كان اعترافه بمشاركة بلاده في قضية الفساد الماليزية المتهم فيها رئيس وزراء هذا البلد نجيب عبد الرزاق والتي اثيرت بسبب وجود ايداع بقيمة 680 مليون دولار في حسابه الشخصي حيث اعترف الجبير ان المبلغ كان فعلا من حكومة المملكة ولكنه لم يوضح اسباب الدفع فهل هي لشراء الذمم ام ...
وهناك من يرى ان غياب بن سلمان والجبير يعود في الاساس الى ان المملكة دفعت ثمن القضايا التي تتطلع الى تحقيقها ولذلك لم يعد هناك ضرورة للكلام والتطبيل سواء على صعيد الملف الايراني والتصدي لنفوذها في المنطقة او صفقة القرن . فيما يرى اخرون ان غياب بن سلمان يعود الى انه بدا جديا في التحضير للتدرج في السلطة والوصول الى قمتها خلال الايام القليلة القادمة خاصة وان الملك سلمان وخلافا للاعوام السابقة قرر قضاء عطلته الصيفية التي كان يقضيها دائما في الخارج في مدينة نيوم، الى جانب تسرب معلومات عن ترشيخ خالد بن سلمان سفير المملكة في واشنطن لمنصب ولي العهد خلفا لشقيقه الذي سيصبح ملكا .