كثيرة هي الاختلالات التي تنجم عن الانفتاح علىالعالم الآخر في مجتمعات لا تحتمي بمنظومة أخلاقية قادرة على مواجهة موجات الغزو والانحراف التي تهب من هنا وهناك.
وفي هذا الصدد تشهد الفترة الأخيرة ترد أخلاقي غير مسبوق في صفحات التواصل الاجتماعي في موريتانيا، حيث تكتشف هذا التردي من مجرد مشاركة لصور أو تحرش غير مباشر عن طريق رسائل لحسابات يفترض أنها لسيدات، والأغلب منها يكون مستعارا، إلى إنتاج متقن لأفلام رقص وربما أفلام خليعة حتى في ظل صمت الجهات الرقابية على مخاطر الأضرار الناجمة عن تلك الصور أو الفيديوهات، وما لها من تأثير على مستقبل شباب البلد.
موطن الفحش والإنحلال
صفحات التواصل الاجتماعي وخصوصا الفيس بوك في موريتانيا اليوم أصبح بؤرة لبث فيديوهات لفتيات موريتانيا وشبان موريتانيين همهم التباري في أنواع الرقص والانحلال الأخلاقي وسبق أن تم نشر فيديوهات “إباحية” صريحة لأشخاص يرجح أنهم موريتانيون نتيجة الشكل واللهجة التي يتحدثون بها.
شهادات
اثناء إعدادنا لهذه الورقة أجرينا لقاءات مع فتيات يستخدمن الفيس بوك، فتفاجئنا من موجة من التحرش والانحلال حيث لا تخلوا صفحة واحدة من هذه السيدات من رسالة تخدش الحياء كل خمس دقايق بهدف إغرائها، وسعيا لأن تدخل مع المرسل في وضعية مخلة ولو افتراضية.
الدوافع والأسباب
وتعزز موجة الانحلال هذه على الفيس بوك أساسا، وتويتر بدرجة أقل نتيجة قلة استخدامه في موريتانيا تعزز برصيد إنتاجي يرسل عن طريق الواتساب ومن ثم يتم رفعه وأرشفته، وتتضرر الآن عشرات الأسر الموريتانية من جراء هذه الأمور نتيجة تصوير بناتهن لأفلام أو صور تخلع فيها الملابس ومن ثمن تخرج عن سيطرة الفتاة بفعل إما ـ ضياع هاتف ـ لإرسال لصديقة ـ سرقة من شخص قريب دخل الهاتف واستنسخ نسخة من الصورة أو الفيديو، ومن ثم تبدأ الكارثة.
نداء للحد قبل فوات الأوان
وترفع منظمات مهتمة بمحاربة الانحلال الأخلاقي نداءات متكررة لأجل الحد من مخاطر انتشار المقاطع الإباحية قبل أن تصبح سوقا لشركات عالمية همها التخريب على المجتمعات الإسلامية وسلب هوية هذه البلدان، سبيلا لتركها تقبع في ويلات التخلف والفقر والجهل.
الآخر
وفي وقت سابق نشر موقع ” الكونفرسيشن ” البريطاني تقريرا تحدث فيه عن دور وسائل التواصل الاجتماعي فيدعم مظاهر الانحراف والترويج لها في صفوف الفتيات المراهقات، مشيرا إلى أن تلك المواقع تسببت لهن، في الكثير من الحالات، في مشاكل نفسية.
وذكر الموقع في تقريره، إن وضع الفتيات المراهقات يزداد سوءا، حسب دراسة جديدة أعدتها وزارة التربية والتعليم حول الصحة العقلية للفتيات المراهقات في المملكة المتحدة البريطانية، وشملت الدراسة 30 ألف تلميذ يبلغون من العمر 14 عاما، بين عامي 2005 و2014، وخلصت إلى أن 37 في المائة من الفتيات تعانين من الضغط النفسي، ما يمثل ارتفاعا بنسبة 34 في المائة مقارنة بعام 2005. في حين شهدت تلك النسبة تراجعا بنسبة 17في المائة في صفوف الذكور.
ولاحظ الباحثون أن أحد الأشياء التي تغيرت في الفترة الممتدة بين 2005 و2014 تتمثل في “ظهور عصر وسائل التواصل الاجتماعي”.
وأوضح الموقع أن مرحلة المراهقة هي فترة نمو بدني ومعرفي وعاطفي سريع. وتتفاعل المراهقات مع الناس من أجل الوصول إلى مرحلة البلوغ. وقد كُن في الماضي، يتفاعلن مع الآباء والمعلمين وغيرهم من البالغين في المجتمع، وكذلك أفراد الأسرة الموسعة والأصدقاء. لكن المعادلة تغيرت الآن، نظرا لوجود وسائل التواصل الاجتماعي.
وأشار الموقع إلى أن الأبحاث أظهرت أن الفتيات قد يكن معرضات بدرجة أكبر من الأولاد للجوانب السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي، ولذلك فإن الفتيات الصغيرات اللاتي يعانين من ضعف الشخصية وضغط الأقران، معرضات لمخاطر تجارب سيئة على الإنترنت، تؤثر سلبا على مرحلة تحولهن إلى بالغات، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى الاكتئاب واضطرابات القلق.
وفي السياق نفسه، أكد الموقع أنه نظرا لعدم نمو أدمغتهن بشكل كامل، تفتقر المراهقات إلى القدرة المعرفية المتعلقة بالوعي الاجتماعي واحترام الخصوصية، لذلك ينشرن، في بعض الأحيان، رسائل غير لائقة، وصورا وأشرطة فيديو دون إدراك عواقبها على المدى الطويل.
وعلى عكس أقرانهن من الذكور، تنشر الفتيات معلومات شخصية أو كاذبة عن أنفسهن أو غيرهن، مما يزيد من احتمال مواجهة ردود فعل سيئة من أقرانهن، مثل المضايقات أو التعليقات السلبية.
ومن جهة أخرى، أفاد الموقع أن وسائل التواصل الاجتماعي تعُجُّ بصور مذهلة لمشاهير تُعجب بهن المراهقات؛ لذلك فهي تسمح لهن بإجراء مقارنات بين الأصدقاء والمشاهير، لتتمكن من استخراج نصائح حول حمية غذائية قاسية وتدريبات للحصول على شكل مثالي لأجسادهن.
وتجدر الإشارة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي لها تأثير سلبي على مرحلة البلوغ، فهي تشجعهن على الانضمام إلى عالم “الكبار” بصفة مبكرة، ونتيجة لذلك، تصبحن ناشطات جنسيا قبل بلوغ مرحلة النضج، ويصل ذلك في بعض الأحيان إلى نشر محتويات جنسية.
وذكر الموقع أن الفرد يبدأ في مرحلة المراهقة في تطوير قدراته الفكرية وتنمية مستواه المعرفي، ويصبح واعيا بنظرة الآخرين له. ومن جهتهن، تصبح الفتيات أكثر هوسا بالأمور الدُنيوية، وتستغرقن في التفكير أكثر وأكثر، نظرا لأنهن تحاولن استيعاب ومعالجة المعلومات.
هذا أمر صحي، ولكن الأبحاث وجدت أنها عندما تُدمج مع وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن تجر مشاكل نفسية، على غرار الاكتئاب.
وأكد الموقع أن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون صديقا أو عدوا، لذلك بدلا من التركيز على جوانبها السلبية، يجب علينا اعتمادها كأداة لمساعدة الفتيات المراهقات على إدراك أن الصور التي تُنشر على تلك المواقع، لا تعكس ما يظهر عليه الشخص العادي، وأن هناك تنوعا واسعا في المظهر الجسدي والقدرات الذهنية. كما يجب علينا تشجيع الفتيات على التفكير بشكل نقدي حول وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الختام، قال الموقع إن المراهقات تقضين قدرا كبيرا من وقتهن على الإنترنت، وأي محاولة لمنعهن أو السيطرة على هذا السلوك، سيدفعهن للقيام بأنشطة سرية على الإنترنت، لذلك يجب على الآباء أن يصبحوا أكثر انخراطا في مساعدة المراهقات، كما يجب عليهم التحدث معهن حول مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي، والعمل على تعزيز ثقتهن بأنفسهن.
تدوينات ريم