لم يترك الرأي الحر لأصحابه في السعودية فسحة في بلادهم سوى بضعة أمتار تحيطها 4 جدران وقضبان وباب من حديد؛ حتى إنها لم تجد ما تجازيهم به سوى سجون ومعتقلات ومحاكم سرية وتعذيب.
معتقلو الرأي بالسعودية، ومن أبرزهم سلمان العودة، وسفر الحوالي، وعوض القرني، وغيرهم كثيرون ترد أخبارهم من خلال تسريبات بأنهم يعانون تعذيباً وإهمالاً منذ اعتقالهم في سبتمبر 2017.
ومثير للاستغراب أن أخبارهم ترد عن طريق تسريبات إذ لا يُسمح لهم بتوكيل محامين، فضلاً عن أنهم ممنوعون من الزيارات؛ وهو ما يخالف جميع القوانين الوضعية، فضلاً عن الشرعية.
بعد أن أمسك محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، بزمام الأمن في البلاد بقبضة من حديد، فارضاً سطوته بقمع من يجده معارضاً لسياسته، وإن كان عبر إبداء الرأي الحر على وسائل التواصل الاجتماعي، بات من الصعب ظهور معارضين بشكل علني في داخل البلاد.
لكن على الرغم من ذلك، فإن غضباً شعبياً نشأ في السعودية ضد سياسة الحكومة منذ تولي سلمان، وهو ما يؤكده نشطاء وأمراء معارضون؛ فالوضع الاقتصادي في تراجع، والحرب باليمن تسببت -وما زالت- في سقوط قتلى بين الجنود والمدنيين، فضلاً عن حصار قطر، ويضاف إلى ذلك قمع الرأي الحر الذي شهدته البلاد.
والآمال بالنجاة بالنسبة لمن يقبعون خلف القضبان منذ نحو عامٍ تقريباً؛ وللشعب من تسلط بن سلمان وسياسات تقييد حرية الرأي، معقودة رغم كل هذا، من خلال الجناح الثاني لآل سعود، وهم المعارضون لحكم إخوتهم وأبناء عمومتهم، الذين انفردوا بالحكم والسلطة.
فمجموعة من الأمراء المؤثرين يقودون حراكاً في دول أوروبية سعياً لتغيير الحكم، الذي سينتج عنه إطلاق سراح من زُج بهم في السجون بسبب رفضهم سياسة بن سلمان، أو لمجرد شكوك في وجود هذا الرفض بنفوسهم.
اربعة من آل سعود يعتبرون أبرز المعارضين لسياسة الحكم في الرياض حالياً، أبرزهم الأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود ويليه الأمير سلمان بن سلطان ثم الأمير عبدالعزيز بن عبدالله والأمير خالد بن فرحان .
الركن الأول
الأمير أحمد المولود في عام 1942، تسلم عدة مناصب في الدولة، أبرزها منصب وزير الداخلية في يونيو 2012 بعد وفاة وزير الداخلية السابق الأمير نايف.
واعتُبر تعيينه وزيراً للداخلية إشارة إلى أنه أكثر المرشحين المحتملين لتولي الحكم في السعودية بعد الملك الراحل عبد الله، وولي العهد الأمير سلمان، حينذاك.
غير أنه غادر منصبه في نوفمبر من العام نفسه، أي إنه لم يدم في مكانه سوى خمسة أشهر، وكان السبب الرسمي هو أن إعفاءه من منصبه كان بناءً على طلبه.
وفي 2002، صرح الكاتب السعودي المعروف نواف عبيد، بأن هناك ثلاثة أفراد من آل سعود هم الأكثر شعبية، وهم الملك عبد الله وولي العهد سلمان، والأمير أحمد.
وكان حساب "العهد الجديد" على منصة "تويتر"، وهو الشهير بتسريباته السياسية من داخل أروقة الحكم السعودية، كشف في 15 سبتمبر الجاري، أن عدداً من أبناء الأمير أحمد بن عب العزيز غادروا المملكة خلال اليومين الأخيرين.
هذا الخلاف يرجعه المصدر إلى جدل وصفه بالواسع؛ بسبب تصريحات الأمير أحمد الأخيرة التي أحرج فيها الملك سلمان وولي عهده محمد.
"العهد الجديد" الذي يتابعه أكثر من 300 ألف شخص، قال إن قرار عدم عودة الأمير أحمد بن عبد العزيز إلى البلاد يأخذ منحى أكثر جدية.
وتابع أنه قرر إخراج أولاده أيضاً، قائلاً: "خرج عدد من أبنائه في اليومين الأخيرين (بعد أن رفع بن سلمان منع السفر عنهم)، ويُنتظر أن يخرج البقية خلال الأيام المقبلة".
وكانت تسريبات تناقلتها مواقع التواصل، تفيد بأن الأمير أحمد يفكر في عدم العودة للسعودية، في أعقاب التصريحات التي أطلقها خلال مقابلته معارضين هتفوا ضد عائلة "آل سعود" في العاصمة البريطانية لندن، حيث يقيم الأمير أحمد.
وكان ناشطون على "تويتر" تداولوا، مطلع سبتمبر الجاري، مقطع فيديو لحوار دار في أحد شوارع لندن بين الأمير وناشطين حقوقيين، كانوا يهتفون بسقوط آل سعود.
ورد الأمير أحمد عليهم بالقول: "ليس كل آل سعود على علاقة بما يجري، خصوصاً فيما يتعلق بحرب اليمن، وإن المعني بالأمر هم المسؤولون الحاليون في المملكة".
الركن الثاني
يُعتبر الأمير سلمان بن سلطان، ثاني الرباعي المعارض، وهو مولود في فبراير 1976، وشغل منصب نائب وزير الدفاع السابق بالمملكة.
سلمان هو الابن السادس من أبناء ولي العهد السعودي الراحل، الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود، ووالدته هي الأميرة صيتة بنت جويعد الدامر العجمي.
وإضافة إلى صلة القرابة، فإن علاقة الأمير سلمان بن سلطان بالأمير أحمد تتوثّق بصلة أخرى أيضاً؛ فهو متزوّج من ابنته الأميرة فلوة، ولديه منها بنت وولدان.
في سجلّه العسكري عُيِّن الأمير سلمان برتبة "ملازم" عام 1996، في قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي، وكان قائد فصيل بمجموعة الدفاع الجوي الرابعة حتى عام 1999.
بعدها تمّت ترقيته إلى رتبة "ملازم أول"، ونُقلت خدماته للعمل بالملحقية العسكرية بسفارة المملكة في واشنطن، عام 2000.
وآنذاك صدر توجيه سفير السعودية لدى واشنطن، الأمير بندر بن سلطان، للملحقية العسكرية السعودية بتكليفه العمل بمكتبه في السفارة، اعتباراً من 2003.
بعدها بفترة قصيرة صدر أمر ملكي بإنهاء خدمته في السلك العسكري برتبة "نقيب"، وتعيينه في وظيفة "وزير مفوض/ب" بالمرتبة الثالثة عشرة في وزارة الخارجية.
وشهد عام 2006 صدور قرار من مجلس الوزراء بتعيينه في وظيفة "وزير مفوض/أ" بالمرتبة الرابعة عشرة في وزارة الخارجية، حسبما جاء في وسائل إعلام سعودية.
وفي 2011، عُيّن مساعداً للأمين العام لمجلس الأمن الوطني للشؤون الأمنية والاستخبارية بالمرتبة الممتازة، قبل أن يُعفى من منصبه عام 2013، ويُعيَّن نائباً لوزير الدفاع بمرتبة وزير، لكنه استقال بعدها بعام.
سلسلة هذه المناصب المهمّة صنعت للأمير سلمان علاقات داخل العائلة المالكة وخارجها، وهو ما يمكن أن يستفيد منه في مواقفه الموازية للأمير أحمد.
الركن الثالث
يتضح لمن يتابع أخبار الأمير عبد العزيز بن عبد الله، نجل الملك الراحل عبدالله، وهو المقيم في باريس، أنه يتحرّك في عواصم أوروبية سعياً للضغط على حكومة الرياض للإفراج عن المعتقلين.
وكان الأمير عبد العزيز حصل على حق اللجوء السياسي في فرنسا، وتابع من باريس مسألة اعتقال أشقّائه بأوامر من محمد بن سلمان، ووضعهم في فندق "الريتز كارلتون"، قبل الإفراج عنهم لأسباب مختلفة.
وتردّد في وسائل التواصل الاجتماعي أن الأمير عبد العزيز كان يُدير الاتصالات مع بن سلمان حول قضية اعتقال أشقّائه.
وهذا الأمير كان من بين الأمراء البارزين في الحكومة السعودية وآخر منصب تسلّمه هو نائب وزير الخارجية، الذي استقال منه بعد تعيين عادل الجبير بمرسوم من الملك سلمان بن عبد العزيز.
أنباء تردّدت، في وقت سابق، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مصدرها تسريبات من مصادر مقرّبة من العائلة الحاكمة في الرياض تفيد بأن الأمير عبد العزيز، الذي يمثّل جناح والده في "هيئة البيعة"، كان واحداً من 3 أمراء رفضوا تقديم البيعة لبن سلمان بعد تعيينه ولياً للعهد، وهذا دليل مؤكّد على معارضته وأسرته.
يُذكر أن "هيئة البيعة" من المفترض أن يكون لها كلمة في التصديق على المرشحين واختيارهم لمنصب ولاية العهد، لكن جرى تجاوزها أكثر من مرة، وانحصر دورها في مبايعة ولي العهد الذي سيصبح ملكاً.
الركن الرابع
يعتبر الأمير خالد بن فرحان آل سعود، المقيم في ألمانيا الركن الرابع في اركان المعارضة من داخل الأسرة الحاكمة في السعودية حيث أكّد في وقت سابق وجود "غضب كبير داخل العائلة المالكة بسبب تصرّفات بن سلمان"، مشيراً إلى أن "إزاحته من السلطة مسألة وقت لا أكثر".
الأمير خالد كشف أن "العديد من رجال الأعمال الكبار، وكذلك من فئة الطبقة الوسطى، هاجروا بالفعل خارج السعودية لكي يستوطنوا في أماكن مختلفة من العالم تسمح لهم بالعيش وتوفّر لهم الحق في الحياة بكرامة وأمان".
ويجزم بن فرحان بأن "الأسرة الحاكمة الآن في حالة غليان داخلي وذلك اعتراضاً على بن سلمان وسياساته"، التي وصفها بأنه "أضاعت هيبة المملكة وسمعتها ومكانتها ومقدراتها، وجعلت مستقبل العائلة في خطر حقيقي".
واستطرد يقول: "لكن أغلب النافذين والمؤثّرين في المشهد السياسي السعودي يقبعون تعسّفياً في المملكة ومراقَبون، وهم لا يرغبون بإظهار اعتراضهم فقط، وإنما يريدون التغيير الحقيقي الذي يرضيهم ويرضي الشعب السعودي والشعوب العربية والإسلامية".