شن الكاتب البريطاني المعروف ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي” هجوما عنيفا على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على خلفية قضية الصحفي السعودي المختفي منذ أسبوعين جمال خاشقجي بعد دخوله قنصلية بلاده بإسطنبول.
وقال “هيرست” في مقاله بأن قضية “خاشقجي” توجب السؤال التالي: إذا كان تصرف ولي العهد السعودي بهذا الشكل بعد 16 شهرا فقط في الحكم، فماذا سيحدث عندما يعتلي العرش؟
وطرح الكاتب في بداية مقاله تساؤلا تخيليا عن آخر أفكار خاشقجي عندما سحبه رجلان خارج المكتب العام للقنصلية السعودية في إسطنبول، وأدرك وقتها أنه وقع في فخ؟
وعلق بأن خاشقجي ليس المستجد حتى يقع في مثل هذا الفخ، وأنه كان يعرف كيف تعمل القنصليات والسفارات السعودية، وعمل هو نفسه في اثنتين منها، في واشنطن ولندن، وكان يعرف هذا الوحش، وكيف يفكر، والطريقة التي يتربص بها ورائحته.
وكان يعتقد أيضا أنه يعرف القواعد، فقد عمل مع رئيس الاستخبارات السعودية السابق تركي بن فيصل. وقواعد اللعبة كانت صارمة لكنها كانت عقلانية، وكانت هناك خطوط حمراء واضحة إذا ألممت بها فيمكنك حساب المخاطر التي تقوم بها.
وعن الثواني الأخيرة في حياة خاشقجي، قال هيرست إنه إذا كان قتْله عملا جنونيا فلا بد أن من أمر به معتوه تماما، وليست لديه ذرة عقل ولا قواعد ولا كابح، رجل يمكنه التصرف وهو في مأمن من العقاب ولا يأمن منه أحد.
ويضيف الكاتب أن أبعاد هذه الأزمة هي مجرد بداية، وأنها عمل وحشي كانت ستفتخر به جماعة تنظيم الدولة، لكن لم يرتكبه المتعصبون الدينيون، بل أمر به وارتكبه حليف رئيسي لأميركا في الشرق الأوسط داخل مبانيه الدبلوماسية وباستخدام موارد الدولة.
ووصف هيرست الأزمة “بإعصار جمال”، وأنه وصل إلى يابسة ولاية فرجينيا وهو الآن في طريقه إلى البيت الأبيض ليهدم القناعات التي تشكلت عندما قال ترامب لأصدقائه -كما ذكر مايكل وولف في كتابه “النار والغضب” في وقت سابق من هذا العام- إنه “رجلنا، لقد وضعنا رجلنا في القمة”. وذهبت أيضا الرومانسية التي بدأها جاريد كوشنر، صهرترامب ومساعده في البيت الأبيض، مع محمد بن سلمان والاجتماعات التي كانت تدوم حتى الفجر وإستراتيجيات التخطيط.
وقال إن الدعم المستمر والمباشر الذي قدمه ترامب لولي العهد منذ تنصيبه أصبح الآن مصدر إحراج، بالإضافة إلى المقالات المستمرة والوقحة التي روجت له في الإعلام الأميركي كمصلح شاب.
وأضاف أن كل هذا نُسف في ليلة واحدة، وبات الحطام في كل مكان، والإعلام الأميركي غاضب.
وألمح الكاتب إلى تداعيات أخرى للأزمة تكشفت في انسحاب الكبار والأخيار من مبادرة الاستثمار المستقبلية (مؤتمر الاستثمار المقرر عقده في الرياض في وقت لاحق هذا الشهر) بسرعة كبيرة، كما لو أن طاعونا ضرب الرياض، ومن هؤلاء الملياردير البريطاني ريتشارد برانسون، وصحيفة نيويورك تايمز، وشبكة سي إن إن الأميركية، والمدير التنفيذي لشركة “أوبر تكنولوجيز” دارا خسروشاهي، والرئيس التنفيذي لشركة “فياكوم” بوب باكيش، وحتى صحيفة فايننشال تايمز انسحبت.
وأضاف أن الرياح تهب أيضا على المجلس التشريعي الأميركي، وأن هناك تحركا بين الحزبين في مجلس الشيوخ لتنفيذ عقوبات ضد محمد بن سلمان بموجب قانون ماغنيتسكي (التشريع المستخدم ضد الرعايا الروس المتورطين في جرائم خطيرة)، حتى أن السناتور الجمهوري البارز بول راند يضغط لخفض التمويل والتدريب والتنسيق مع الجيش السعودي “حتى عودة خاشقجي إلى الحياة”.
وأشار “هيرست” إلى أن الشبكة المعقدة من جماعات الضغط السعودية والإماراتية في واشنطن دي سي (وهي شبكة أنشئت لتنسيق دخول محمد بن سلمان إلى المسرح العالمي) بدأت أيضا في الانهيار؛ فقد أنهت شركة “هاربر غروب” (وهي شركة في واشنطن تقدم الاستشارات للسعودية منذ أبريل 2017) عقدها البالغ ثمانين ألف دولار يوم الخميس.
وأضاف هيرست أن الرجل الذين شكل محمد بن سلمان وروج له وأعاد توجيه كامل ثقل السياسة الخارجية الأميركية والمؤسسات العسكرية والأمنية لوضع ثقتها على عاتقيه هو ترامب، وترامب هو الذي سمح لولي العهد بالتصرف مع الإفلات التام من العقاب.
وختم بأن ترامب يمكن أن يكون لديه تفكير واحد، وهو إذا كان محمد بن سلمان قادرا على الأمر بهذا العمل الفظيع وهو يبلغ من العمر 33 عاما، ولم تمر عليه سوى 16 شهرا فقط في منصب ولي العهد؛ فما الفعل المجنون المغلف بالاستهتار الذي يمكن أن يقدر عليه وهو ملك لدولة اتخذها الجيش الأميركي محورا لقوته في الخليج والمنطقة بشكل عام؟