كانت الشمس تتحرك للغروب سحابة ذوائبها الذهبية أمام الليل لينسج خيوطه الداكنة على الأحياء الشعبية في توجونين، وبرودة مساء السبت 15/12/2018 تنذر بليلة شتاء قارسة، وحده عبد الله مع زوجته في المنزل، عادا قبل قليل من رحلة نزهة إلى البحر حيث اشتريأن بعض السمك ومرا بسوق الخضار في مسجد المغرب واشتريا مايلزم لبقية الأسبوع من الخضار.. بينما كان عبد الله يقوم بتنسيق مكتبته وتنظيمها والبحث عن الكتب التي يقرأ في بو العطلة.. كانت زوجته تنتظر بفارغ الصبر مشاهدة مسلسل"أرطغرل"، شعر أن زوجته ليست على مايرام، وأن شيئا ما يخيم عليها ويغير صفوها، وبعد إلحاح من عبد الله على زوجته لتكشف له عن سبب غمها، صرحت أن آلاما حادة تعبث بداخلها، طلب الزوج من زوجته مرافقته إلى المستشفى لعرضها على الطبيب، ورغم رفض من الزوجة بررته أن مابها مغص عارض وسيزول مع الوقت.. وتحت ضغط عبد الله والحاحه قررت الزوجة الذهاب إلى المستشفى.. كان المسكين قد تزوج حديثا، ويعتمدفي حباته الاقتصادية على راتب استاذ متعاون في احدى المؤسسات الحرة، يقبضه في أول الأيام من الشهر، ولا يكفى لحاجاته التى زادت بعد الزواج..و لم يكن على موعد من هذا الظرف الطارئ، فقد صرف آخر ماتبقى لديه من مال في رحلته التي قدم منها قبل قليل.
مستشفى الصداقة.. مركز التزوق والاهمال
تفقد جيبه ولم يجد غير و ورقة من فئة 100 جديدة كان قد استبقاها للنقل وضروريأت الافطار،طلب من الزوجة التجهز للمغادرة، واستقلال سيارة أجرة باتجاه مستشفى الصداقة، وذلك لما كان يسمع من خلال زيارات الرئيس له من استعداد وجاهزية لاستقبال المواطن وعلاج حالات مرضه، ورفض التاكسي أن يعرج بهما نحو المستشفى إلا مقابل 50 أوقية جديدة، وبما أن المسكين حديث عهد بالزواج فليس لديه خبرة بالمستشفيات وأمراض النساء دخل بزوجته جناح الحالآت المستعجلة، وعلى باب الطبيب المداوم اعتر ضته سيدة نهرته و تدفعه بيدها بعيدا حتى تدحرج وكاد يسقط إلى الخلف، طلب وهو يرتجف مبهورا من تصرف القائمة على الباب التي استغلت الفرصة لتطلق العنان لسانها بالشتم ووصف الزوار بالحمير والبغال وكل أشكال الحيوان والجماد.. وفي هذه اللحظة تدخلت زائرة وارشدته أن يذهب بزوجته إلى جناح النساء،وخرج المسكين يقود زوجته التي لم تعد تستطيع التحمل من بشاعة الآلام، ودخل إلى قسم جناح النساء وفي تصوره انه سيجد ملائكة يرحمون زوجته من الحالة التي تعيشها، و اخترق من بين جموع النساء والرجال الذين تجمهروا على باب مكتب الفرقة المداومةودفع الباب وهو يتقدم زوجته، و تفاجأ المسكين أمام منظر القابلات في القاعة وهن منشغلآت بين من نشرت أمامها مستحضرات التجميل لتزويق وجهها، ومنشغلة في حديث متصل لاينقطع عبر الهاتف، وأخريات يتجادلن في مجريات مناسبة سمعن عنها،وبينهن خلاف حول ماقدمه الزوج من مهر... وعلى غرار ماوقع له في جناح الحالآت المستعجلة، تعرض لعمل مماثل من القائمات على المداومة في قسم النساء فقد دفعنه، ولم يجد فرصة لشرح ان سبب دخوله عليهن ماتعاني منه زوجته، وفي الممر الضيق وبينما كان في حيرة من أمر معانات زوجته. . دخل الطبيب وقد تعلق به الجمع الغفير الذي كان يتجمهر أمام المكتب بانتظار قدومه من تناول وجبة وشراب شاي استغرق فيهما ثلاث ساعات، وتقدم نحوه ليعرض عليه حالة زوجته لكنه رفض الاستماع بحجة أنه غير فارغ ليخصص الوقت للكشف عن حالتها.
مستشفى زائد..صور أسوأ من الأول
كانت حالة الآلام التي تعاني منها المسكينة تتأرجح نحو الأسو... فكر ان يغادر المستشفى إلى مستشفى آخر لعله يجد فيه من بقلوبهم رحمة تسعف زوجته من الآلام.. فقرر أن يتوجه إلى مستشفى زائد بدار النعيم، بما ان ليس لديه غير 50 أوقية جديدة قطع بها مسافة طويلة تفصل المستشفى عن الشارع الرسمي، ومن الشارع استقل سيارة أجرة إلى مستشفى زائد، كان الألم الذي يسكن السيدة ينذر بمضاعفآت قد ينتج عنها ماهو أسوأ، دخل عبد الله وزوجته المستشفى وعلى باب جناح النساء تعاطف معه الجمهور والقائمين على حراسة الباب ليصل بزوجته إلى الطبيب ليخفف من معانتها.. ولكن في غرفة المداومة تكررت نفس الصورة قابلات منهمكات في التزوق والحديث في الهاتف والتراسل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.. وعندما دخل البواب بالسيدة عليهن طلبوا منه أن يخرج بها عنهن وعدم إزعاج.. حاول البواب أن يقنعنهن ان السيدة في حالة خطيرة في حالة وتحتاج إلى اسعاف سريع، لكنهن رفضن الاستماع له والرضوخ لألحاحه. . وعاد البواب بالسيدة إلى زوجها المتسمر على الباب وقلبه يحترق، وعيناه تغرورقان بالدموع أسفا وحسرة ليقول له أن العاملات رفضن استقبالها... وعلى الرصيف المقابل لباب الجناح وقف المسكين إلى جانب زوجته وهي تكابد الألم في صمت مميت، وعيناه شاخصتان في السماء يطلب رب السماء وملك كل شيء الفرج، وحوله جمع من المتعاطفين وقد استنكروا ما أقدم عليه مكتب المداومة ورفض القابلات معالجة السيدة.
مستشفى الأمومة وملائكته الرحمة..
وفي غمرة الحزن والحسرة والحالة الحرجة التي فيها المسكين ..لم يعد لديه ما يمكن أن ينقل به زوجه إلى مكان آخر من المال..لكن القدر جاء بمساعدة سريعة، فقد تبرع سائق سيارة بنقله إلى حيث يريد نقها، وفكر بنقلها إلى مستشفى الأمومة والطفولة، وانطلق بهما السائق، بينما كانت السيدة تتألم وتشكو، فقد صاحب الألم نزيف حاد زاد من تفاقم وضعتها.
وفي قسم الحالات المستعجلة للنساء استقبلت السيدة من طرف مجموعة من القابلات تلقوها بسرعة وباشرن أسعافها رغم حالة النزيف الشديدة.. استبشر المسكين وانتابه شعور بالراحة وهو يتابع إقبال الطبيب والقابلات على إنقاذ زوجته من أنياب الموت.. وقد يسر الله جميع مان يطلبه العلاج من فحوصات ووصفات... ورغم كل الإسعافات والجهود التي بذلها الفريق فلم بيستطيع الحفاظ الجنين الذي كانت المسكينة تنظره بفارغ الصبر، لكن بفضل الله ورحمة الطاقم المداوم استبقت حياتها.
وفي وقت متأخر من فجر الأحد 16/12/2018 خرج المسكين من المستشفى بزوجته يعد ليلة ليلاء، مسؤولا بماقدمه ملائكة الرحمة في مستشفى الأمومة والطفولة لإنقاذ زوجته، ويلعن على المداومة في كلا من كريمات العذاب مستشفى الصداقة وزائد.. الين كان أهمالهما وراء فقد زوجته لجينينها،