بدأت الاحتمالات الكثيرة التي طُرحت مؤخرا بشأن مصير جثمان الصحافي السعودي المغدور جمال خاشقجي تنحصر، بعد ثبوت كذب بعضها وصحة البعض الآخر في أحدث التسريبات الخاصة بالجريمة البشعة.
وبعد أيام طويلة من الصمت والتراجع الذي خيم على القضية، سربت السلطات التركية من خلال وسائل الإعلام مشاهد جديدة لإدخال مجموعة من الحقائب والأكياس إلى منزل القنصل السعودي في إسطنبول أكدت مصادر تركية أنها كانت تحتوي على جثمان خاشقجي.
التسريب الجديد وما رافقه من معلومات أخرى جرى الكشف عنها في الأيام الأخيرة كان منها ما احتواه كتاب أصدره ثلاثة من كبار صحافيي صحيفة “صباح” التي أشرفت على الكم الأكبر من التسريبات المتعلقة بجريمة خاشقجي، منحت القضية بعداً جديداً وأعادت رسم وحصر الاحتمالات المتعلقة بالسؤال الأبرز منذ ثلاثة أشهر، والمتعلق بمصير جثمان خاشقجي.
قناة “خبر” التركية المقربة من الحكومة، بثت مقطع فيديو يظهر فيه ثلاثة رجال ينقلون خمسة حقائب وكيسين كبيرين من إحدى السيارات الدبلوماسية التابعة للقنصلية السعودية إلى داخل منزل القنصل القريب، دون أن يظهر ما يحسم بوجود الجثمان داخل هذه الحقائب، لكن الكثير من الأدلة الأخرى ساعدت الأمن التركي في الجزم بأنها كانت تحتوي بالفعل على الجثمان.
أول هذه المعطيات أن أغلب هذه الحقائب هي من قام عناصر من فريق الاغتيال بشرائها من أحد الأسواق التركية القريبة صباح يوم الجريمة، أي أنه تم شرائها لمهمة محددة متعلقة بالجريمة، لكن المعطى الأبرز كان متعلق بمحتوى التسجيلات الصوتية التي دونت كافة تفاصيل ما قبل وأثناء عملية قتل خاشقجي.
وبحسب النص الكامل للتسجيلات، يظهر صوت صلاح الطبيقي وهو يشرح لأعضاء الفريق مهامهم قبيل دخول خاشقجي للقنصلية ويطلب منهم تعبئة أجزاء الجثمان في تلك الحقائب عقب أن يقوم هو بتقطيعها، وهو ما ظهر لاحقاً أيضاً أثناء تنفيذ العملية، حيث كان يطلب منهم لف أجزاء الجثمان ووضعها في الحقائب، وهي الأدلة نفسها التي تستخدمها السلطات التركية في اثبات نية القتل المسبقة.
هذه الحقائب جرى نقلها بواسطة سيارة دبلوماسية كبيرة الحجم من داخل مقر القنصلية عقب قرابة الساعتين من دخول خاشقجي، إلى مرآب السيارات داخل منزل القنصل، وهي نفسها العربة التي أجرت سيناريو للمهمة قبيل يوماً واحداً من تنفيذ الجريمة ليتم التأكد من إمكانية دخولها إلى مرآب القنصلية ومنزل القنصل.
لكن الأهم في هذا الإطار، هو ما أكده القناة التي بثت التسجيلات الأخيرة نقلاً عن مصادر أمنية رفيعة، أن أجهزة المراقبة والكاميرات التي تحيط بمنزل القنصل بشكل كامل ومحكم تثبت أنه لم يتم إخراج هذه الحقائب أو محتوياتها بأي طريقة من منزل القنصل، وهو ما دفع المحققين الأتراك لحسم تقديرهم بأن الجثمان لم يخرج من بيت القنصل وتم التعامل معه داخل أروقته.
وإلى جانب ذلك، يؤكد عبد الرحمن شمشيك، مسؤول قسم التحقيقات في صحيفة “صباح” أن الادعاء العام التركي أكد لهم أن الخارجية التركية لم تحصل حتى اليوم ورغم مرور ثلاثة أشهر على الجريمة على إذن من الجانب السعودي يسمح للمحققين الأتراك بتفتيش البئر الموجود في منزل القنصل السعودي، رغم الأنباء المتضاربة في السابق عن تفتيش آبار القنصلية ومنزل القنصل، حيث تقول مصادر تركية إنه جرى تفتيش بئر في القنصلية وآخر صغير في منزل القنصل، لكن البئر الأساسي بعمق 21 مترا في منزل القنصل لم يتم تفتيشه بعد.
وبينما تحصر المعطيات الأخيرة مصير الجثمان داخل مقر إقامة القنصل، لا يوجد معطيات ملموسه تساعد في حصر طريقة التخلص من الجثمان وما إن جرى بالفعل تذويبه عبر مواد كيميائية والتخلص من بقايا الجثمان عبر البئر الذي ما زالت السلطات السعودية ترفض السماح للمحققين الأتراك بمعاينته.
كما أن المعطيات الجديدة تدفع باتجاه استبعاد الاحتمالات الأخرى المتعلقة بإمكانية التخلص من الجثمان في أحد موقعين جرى تفتيشهما أكثر من مرة في ولاية يالوفا القريبة من إسطنبول حيث تقع هناك منازل لسعوديين ثبت علاقة أحدهم بفريق الاغتيال.