الحاجة إلى فكر أبو الحسن الماوردي...طريق إلى تحقيق مفهوم الدولة الإسلامية.. !! "الجزء الأول"

أحد, 03/10/2019 - 22:21

هاهي الحياة السياسية بأوطاننا العربية والاسلامية تزداد تأزما وتفككا يوما بعد يوم خاصة بعد ما سمي بثورات الربيع العربي، فهاهو السيسي يحكم قبضته العسكرية على مصر بعد انقلاب حقير على شرعية الرئيس مرسي، وهاهي تونس ترزح في مخلفات الثورة وتبعاتها، أما الحديث عن سوريا فيعجز اللسان للكلام عن الكارثة الانسانية الواقعة هناك ولسان حالنا يقول كما قال المثل المصري "يا فرحة ما تمت"  فانتشرت الخطابات التكفيرية وعمت الفوضى المنظمة والممنهجة وراء ستار متخفي بدواعي نشر الإسلام تارة  تحقيق معالم الدولة الاسلامية تارة أخرى وبين شعارات تجسيد حقوق الانسان وقضايا السلام من الضفة الأخرى، لتتصارع هذه المفاهيم والاديولوجيات مع بعضها ليحاول كل طرف تحقيق مبتغاه...

   ودائما المستفيد الحقيقي يتفرج من بعيد في نشوة منقطعة النظير... في حين غفلة عن حكوماتنا و شعوبنا المقهورة المسحوقة وهو ما يجعلنا نصبو وبصدق إلى ضرورة ايجاد المعالم الجمالية لما يسمى بالدولة الاسلامية متسائلين هل هي حقيقة أم مجرد نظرة طوبوية أنشأها بعض المفكرين والجماعات المتعصبة كما يروج لذلك الاعلام، أم أنها حقيقة موجودة في تراثنا لكن نحن نتغافل عنها أو نغيبها لشيء في نفس يعقوب... !!

    وبالعودة إلى تراثنا الإسلامي نجد أن جميع الاشكاليات كانت غير واردة بتراثنا الإسلامي ولعل هذا يفتح التأويلات على العديد من الأسئلة والتصورات البعيدة المدى التي تبحث في الأسباب الحقيقية لعدم ظهور هذه الاشكاليات في عهد مثلا الإمام المفكر الإسلامي الماوردي الذي يعتبر أحد أقطاب المفكر الإسلامي السياسي الذين قاموا بالتأصيل لفكرة انشاء الدولة الإسلامية، في حين تتفاقم اليوم وبشدة اشكاليات علاقة الدين بالدولة وتزداد معها الأسئلة قائلة هل عجز علماؤنا اليوم عن ايجاد قناة تواصل بين الفكر الاسلامي والسلطة؟ أم أن مفكرينا اليوم يفضلون التنصل من مسؤولياتهم الدينية تجاه الإسلام وصوب الشعوب العربية والإسلامية؟.. ولما بتنا اليوم نسمع أمورا غريبة تصدر عن مراكز دينية لطالما شهد لها بالنزاهة  كالأزهر الشريف فصرنا نسمع عن فتاوى الخنوع والانبطاح للسلطة وبتبريرات شرعية غاية في السذاجة والاستهتار بعقول الشعوب واستبغالها أكرمكم الله

  نعود لتراثنا البهي المشرق لنكتشف معا معلم من معالم الفكر الإسلامي السياسي لنقد عند القطب والمفكر العراقي البصري الماوردي، فقد وضع الماوردي وعالم نظريته السياسية الإسلامية لتشكيل الدولة الإسلامية مجموعة من الخصائص التي تنظمها وتحكم طريقة سيرها تجنبا للوقوع في الانزلاقات لعل أول تلك الخصائص نذكر منها:

_ بأن الحاكم ليس خليفة لله كما يعتقد الكثير من المروجين للفكر المتطرف، إنما هو خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث يكمل المسيرة  المحمدية لكن بإيمان بأن الوحي الرباني انقطع كليا وما عليه إلا الجتهاد وبالتالي يتبع مفاهيم القياس ويعلي من شأن فقه الواقع والمعرفة بالقضايا الفقهية المستجدة على الساحة مع متطلبات الواقع وتغيراته الثقافية والحضارية وهو ما يفتقده واقعنا اليوم للأسف فشاعت التبعية الشبه كليه للغرب وتنفيذ الاجندات المؤطرة مسبقا من طرف جهات يعلمها القاسي والداني.

_ أما الخاصية الثانية فلا وجود لما يروج له في مختلف وسائل الإعلام حاليا من دعوات لفصل الدين عن الدولة واعتبار الدين أمر شخصي بين الإنسان وربه ولا علاقة للدين بالدولة فكلها دعاو باطلة زائفة لا تمت للإسلام بصلة، فالإسلام دين رباني سماوي يتدخل في كل تفاصيل حياتنا اليومية السياسية منها وغير السياسية ولسنا هنا في موضعالدفاع عن قيم الاسلام او أتبنى توجها معينا إنما هي الطبيعة الانسانية تتحدث و التي لا يمكن لها مطلقا التنصل من القيم والمعتقدات الدينية مهما حاول التنصل من ذلك لابد من رجوع للفكرة وهو حال ما شهدناه مع كبار الملحدين كأنتني فلو الأب الروحي للإلحاد بالعالم سابقا.

_ أما العنصر الثالث والمهم جدا وهو أن الحاكم يستند في حكمه لقواعد الدين كمنظومة دينية وأخلاقية تسير الرئيس في حد ذاته قبل الشعب فيتبع الخليفة فيتبع أوامر هذا الدين و ينتهي عند نواهيه فيخاف الله في رعيته ويحفظ الأمانة التي أودعها رسولنا الكريم عنده كونه صار خليفة المسلمين فلا يظلمهم ولا يسلبهم حقهم الشرعي فالمسؤولية كبيرة أمام الله فحمل الأمانة ليس بالأمر الهين والوقوف بين يدي الله يوم القيامة موقف شديد عصيب وهو ما جعل الماوردي يؤكد مسئولية هذا الحاكم أمام الله تعالى، الذى منحه اياها، وجعلها أمانة بين يديه.

بقلم الكاتب: حمزة براهيمي.

أستاذ وباحث أكاديمي في العلوم السياسية وقضايا الأمن النقدي.

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف