لشدة التنسيق والتعاون بين إيران وأمريكا على الساحتين العراقية والسورية الذي كانت بدايته في العراق منذ ما قبل الاحتلال وإسقاط النظام، ساد جو من الاعتقاد بان الزواج بين إيران وأمريكا كان زواجا كاثلوكيا غير قابل للانفصال ولكن من له معرفة وإلمام بطريقة التفكير الاستراتيجي الأمريكي يعرف تماما بان تحالفات امريكا منذ نشاتها الاولى ولغاية الان كانت كلها تحالفات تكتيكية مرحلية تنتهي بانتهاء حاجتها ومصلحتها. وأمامنا اليوم خير مثل وشاهد على ارض الواقع لا يقبل التأويل ولا التحوير وهو العلاقة بين امريكا وتركيا فرغم ان تركيا تعد عضوا بارزا ومهما في حلف النيتو العسكري الذي يضم اهم واقوى الدول في العالم وتحتضن الأراضي التركية اهم قواعد الحلف وقواته وقواعده العسكرية الا ان امريكا أعلنت على لسان ترامب وعددا اخر من كبار المسؤولين فيها ان امريكا مستعدة لفرض عقوبات على تركيا وفرض حصار اقتصادي عليها وصولا لمنع بيعها طائرة بوينغ ٣٥الاستراتيجية التي تساهم تركيا ذاتها في تصنيعها وتحتضن قسما من معامل تصنيعها ولكن لماذا كل هذا التهديد ضد تركيا والاستعداد بالتفريط بها ؟ وهنا لابد من معرفة السبب لكي تتضح الأمور بصورة جلية فقد دخلت تركيا مع الجانب الأمريكي بمفاوضات من اجل شراء صواريخ باتريوت الدفاعية وذلك لضمان أمنها القومي ورغم استمرار المفاوضات بينهما ما يقرب من عقد من الزمن الا ان الأمريكان لم يوافقوا على الطلب التركي بالرغم من العلاقات القوية بين البلدين ورغم انهما عضوين بارزين في حلف النيتو كما ذكرنا، الأمر الذي دفع الأتراك للبحث عن مصدر دولي اخر لشراء صواريخ دفاعية هي في امس الحاجة لها وذلك لان سماء تركيا ما زال مكشوفا وغير مؤمن بشبكة دفاعية. وفي مدة زمنية قصيرة تقدمت المفاوضات بين تركيا وروسيا التي تملك صواريخ مماثلة لصواريخ باتريوت وربما أقوى وارخص ثمنا منها وتكللت تلك المفاوضات بينهما بتوقيع اتفاق بين الرئيسين التركي والروسي على بيع تركيا صواريخ اس ٤٠٠ والتي تعد أقوى صواريخ دفاعية من اي صواريخ أخرى وهنا قامت قيامة امريكا فهي لا توافق على بيع تركيا من صواريخها ولا توافق على شراء تركيا صواريخ من روسيا هي في امس الحاجة لها وهنا تجد امريكا وهي تضع علاقتها مع تركيا في مهب الريح اذا اصرت تركيا على شراء تلك الصواريخ ولكن يبدو لكل المراقبين الدوليين ان تركيا عازمة ومصممة على المضي في عملية شراء تلك الصواريخ واستلام وجبتها الاولى منها في شهر تموز القادم، وكلما اقترب ذلك الموعد كلما وجدنا الجو الهستيري يتزايد بشكل جنوني مصحوبا بتهديدات متواصلة ومستمرة تصدر عن مسؤولين أمريكان كبار ضد تركيا علما بان معركة ضد الليرة التركية أخذت طريقها منذ اكثر من عام كمحاولة للضغط على الرئيس التركي وإجباره على التراجع عن تلك الصفقة التي أبرمها مع الرئيس الروسي والتي لا يبدو انها ستتوقف ولا يبدو انً الرئيس التركي مستعد للتراجع عنها مهما كلف الأمر.فقصة العلاقة التركية الأمريكية هذه وتدهورها واستعداد امريكا لمعاقبة تركيا وهي من كبار أعضاء حلف النيتو تجبرنا للاعتقاد باننا كنا واهمين في اعتقادنا برسوخ ومتانة الزواج الأمريكي الايراني الذي كنا نعده زواجا كاثوليكيا غير قابل للانفصام وان هذا الزواج لا يتعدى عن كونه زواج متعة مؤقت رغم طول مدته وسينفرط عقده قريبا.
واليوم ونحن نشاهد ونراقب تطورات العلاقة المتدهورة بين كلا الدولتين والتي وصلت الى حد من التصريحات الهستيرية من كلا الطرفين والتي تهدد بحرب ماحقة طاحنة بينهما ترافقها ضربات عالية على طبول الحرب، كل ذلك يؤكد لنا من جديد ان امريكا ليس لديها تحالفات ستراتيجية ثابتة وانما تعتمد على الدوام على تحالفات مؤقتة تكتيكية وليس لديها اي احترام لاتفاقاتها مطلقا وهي على استعداد تام لضرب وإلغاء اي اتفاق تبرمه مع اي طرف دولي، كما لا تفوتنا الإشارة الى ان امريكا ذاتها أصبحت على وشك التفريط بعلاقاتها التاريخية والعميقة مع الاتحاد الاوروبي الذي كان الكثير من الناس يعتبره تحالفا ستراتيجيا رئيسيا ثابتا لا يمكن تعرضه لاي مخاطر بسبب العلاقات التاريخية المتشابكة بين امريكا والاتحاد الأوروبي، والمصالح الكثيفة بين الطرفين.
وإذا كان للرئيس الأمريكي الأبله ترامب من فضيلة على العالم فهي تتجسد في فجاجة طبعه ورخص وضحالة ثقافته السياسية التي كشفت لنا الكثير من مخفيات السياسة الأمريكية.
ونحن نشاهد اليوم الجزء المتبقي من سيناريو الحرب التي أصبحت على الأبواب بين امريكا وإيران التي تذكرنا بما حصل في المرحلة التي سبقت اعلان الحرب على العراق واحتلاله والتطابق التام بين السيناريوهين وما تعرض له العراق من الدمار والخراب في مختلف نواحي الحياة والتي ما زال بلدنا يعيش تداعياتها كيف ان إيران الجارة لعبت دورا مشبوها اثناء وقبل الحرب الظالمة التي دمرت العراق وقضت على معالم الحياة الطبيعية فيه.
صلاح عمر العلي
٢٠١٩/٥/١