تم إنشاء مجمع سكني أبان سبعينات القرن الماضي، ولا زلت أتذكر أسم المقاول والمهندس، فكان المهندس (طه علوان) والمقاول (ساركون إيوان وردة) العمل يسير بوتيرة جيدة ضمن سياق لا يمكن الحياد عنها، من قبل البنائين كذلك العمال، ومما يلفت الإنتباه أن هنالك مراقب للعمل، يقف تحت أشعة الشمس الحارقة ويأمر وينهي بل ويعاقب! .
أتذكر أنه كان هنالك عربة صغيرة (دنبر)، تنقل الطابوق وتضعه بحوض ماء كبير لغسله، وتجريده من الأملاح، مع العلم أن الطابوق من معامل حكومية وليست أهلية (جمهوري)، على شرط بقاء الطابوق في الحوض لوقت يعيّنهُ ذلك المُراقبْ، ومَن يُخالف يتم صرفهُ من العمل، بكلمة أدق كانت هنالك تعليمات يجب السير وفقها، حيث كانت المدة المقررة حسب ما مكتوب على الورق .
الإنجاز تم قبل إنتهاء المدة المقررة، وهذا يدل على الدقة في العمل، والحرص من قبل المقاول، كذلك المراقب الذي يعرف كل شاردة وواردة، والأمر الآخر أن الحارس يستلم أوامره من المراقب أيضاً، فعليه أن يراقب أحواض غسل الطابوق وملئها بالماء يومياً، وإستلام المواد الإنشائية التي غالبا ما تأتي بعد إنتهاء العمل، وفي كثير من الأحيان يتم إستشارة المراقب قبل البدء بالعمل، خشية الشروع خارج النظام المعد من قبل المهندس .
كثير من المشاريع لم تنجز، وبقيت حبرا على الورق فقط.. وهنالك مشاريع يجب عدم إنكارها، وقد حلت بعض المشاكل وخاصة المجسرات، وإن كانت ليست بالمستوى المطلوب أو كالتي أنجزتها الشركات العالمية، كسريع القادسية والخضراء لكنها مقبولة نوعاً ما، أما ما تم الإعلان عنه في حقبة حكومات سابقة! فمعظمها في جيوب أشخاص هم اليوم ضمن كيان الحكومة، وكان يفترض محاسبتهم .
العراق اليوم بحاجة الى مراقب عمل نظيف، وشريف يهمه مصلحة البلد، ويرقى أن يكون مكفولاً ومحترفا.. حاله ككفيل إستقراض الأموال من البنوك، ليكون بالواجهة عند المحاسبة، وليس كما حدث مع وزير التجارة السابق فرغم ثبوت التهم يتم اطلاق سراحهُ مرتين.. مع سكوت مطبق عن الأموال التي نُهِبَتْ في فترته!
عند التعذر عن إيجاد مراقب العمل، فالبديل شركات عالمية مكفولة من دولها، التي تخشى على سمعتها دولياً، وترك المقاولين الذين خربوا وأنهوا حالة التقدم.
كما يفترض إستغلال العقول العراقية النيرة، التي نجحت في كثير من الأعمال، كما في جسر الجادرية ذي الطابقين، الذي لم تشترك بتصميمه وبنائه أي شركة غير عراقية، وبنائه تم في فترة الحصار الجائر .
المراقب جزء من هيكل عملية الرقابة، وهو بنظر العمال والبنائين معارض.. لكن معارضته تتمحور حول كل ما يخرج عن المسار، الذي وُضِعَتْ له خطة عملٍ ضمن مراحل الإنجاز، ويجب الإلتزام بها، ويحاسب من قبل المقاول في حالة وجود خطأ، أو خلل خارج سياقات الخطة التصميمية الملتزمة بوقت محدد، ويعمل لتصحيح المسار في حالة إنحرافه عن السياقات التي تم وضعها مسبقاً .
رحيم الخالدي