ينتقد العديد من الفاعلين إهمال الدولة أو الحكومة للجانب الثقافي في مخططاتها، بالرغم من أن لهذا الجانب جزءا مهما في أي نموذج تنموي على اعتبار تأثيره على تكوين وبناء شخصية الإنسان المغربي، كيف نرى ذلك؟
من دون شك أن الاهتمام بالعنصر البشري، تثقيفا وتكوينا وتعليما، يعتبر من الأمور الأساسية، والمغرب لديه إمكانيات للاستثمار في اقتصاد المعرفة، اليوم نعيش في القرية العالمية وعصر تكنولوجيا المعلومات، لذلك لابد من النهوض بهذا الجانب واستحضاره في النموذج، وبالتالي لابد من بناء شخصية مغربية في مختلف المجالات، مع ترسيخ الانفتاح على مختلف الثقافات.
في التربية والتعليم، هناك مجموعة من المخططات في هذا المجال، وتم الانتقال من مخطط إلى مخطط دون تقييم جدي، ومؤخرا تم اعتماد صيغة التعاقد في التعليم، هل هو حل مناسب؟ وما تأثيره على تكوين العنصر البشري؟
الأساسي في اعتقادي، هو أن يجد المغاربة المدرسة والأطر التي ستدرس أبناءهم، بشرط أن تتوفر الكفاءة في هذه الأطر، ولا فرق أن يكون موظفا رسميا أو متعاقدا.
إطار التعليم حين يكون كفئا لا يمكن إلا أن تشيد به وتشجعه، ولكن حين يكون خاملا ولا يؤدي عمله فلا موجب لاستمراره في الوظيفة مدى الحياة.
هناك حقوق يجب أن تصان، وبالتالي يجب أن يكون هناك نوع من الإنصاف للجميع. الأساسي أيضا هو أن يساير نظام التعليم العصر، وأن يتم تكوين أبناء المغاربة بالشكل الذي سيجعلهم متعلمين بالشكل المطلوب، ومواكبة تغييرات العصر.
ركز الملك في إحدى خطاباته على أعطاب الإدارة المغربية، وشدد على أن تكون إدارة مواطنة في خدمة المواطن، كيف نرى واقع الإدارة؟
لدينا إدارات وليس إدارة واحدة، وكل واحدة لها تخصصاتها وآليات اشتغالها، والإدارة لم تأت من فراغ، فهي لها امتداد، وجاءت من رواسب قديمة ترتبط بالاستعمار والسلطة، وما زالت بصمة الاستعمار مستمرة ولها بعض المظهرات في الإدارة المغربية.
الإدارة أيضا من نتاج النظام السياسي المغربي، والمفهوم الجديد للسلطة لم يظهر إلا مع عهد الملك محمد السادس.
بطيعة الحال الإدارة مهمتها هو أن تجسد السلطة وتقوم بمهام الدولة، وفي نفس الوقت تخدم الشعب.
المشكل المطروح في الإدارة والسلطة، هو غياب نوع من الحكامة الكفيل بالرقي بها وبخدماتها، والمشكل هنا ثقافي وسياسي زيادة على التربية على المواطنة.
نحن نعلم أن المغرب عاش قرونا من السخرة والظلم والتظلم، المطلوب في الإدارة اليوم أن تعيد الاعتبار للمرفقين، وأن يتم ترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة إذ أن الإشكال في الإدارة المغربية هو غياب ثقافة الجزاء.
وفي كثير من الحالات يجد المواطن أو المترفق نفسه بلا حول ولا قوة له أمام الإدارة وهذا ناتج عن كون عقلية الإدارة غير مواكبة لروح دستور 2011. هذا الوضع والإشكاليات المرتبطة به، بالإضافة إلى تمركز السلطة في الرباط، كلها أمور يجب أن نستحضرها في نقاش النموذج التنموي، طبعا حل هذه الإشكاليات لا يمكن أن يتم إلا بالتدرج والمتابعة.
كيف يمكن في اعتقادكم تحقيق عدالة مجاليه ما بين الجهات المغربية؟
الأمور يجب أن ينظر إليها في سياقها، المغرب متنوع ومختلف، ومناطق المغرب تختلف في مؤهلاتها وإمكانياتها الجغرافية والطبيعية والسكانية وغيرها.
حاليا هناك توجه لنظام جهوي، ونحن نعرف إن هناك تفاوت في إمكانيات كل جهة، لكن الأساسي هو أن كل مناطق المغرب يجب أن تتوفر لديها المدرسة والمستشفى والطرق،بشكل عام، الخدمات الأساسية كلها يجب أن تتوفر بغض النظر عن إمكانيات كل جهة، وهذا من صلب نقاش النموذج التنموي الذي يجب الإعداد له.
والنموذج التنموي يرتبط بنضج التجربة الديمقراطية، وتجربتنا الديمقراطية لم تنضج بعد، كما أن مستوى الفاعلين بما فيها الأحزاب والسلطة والصحافة والمجتمع المدني لم ينضج بعد، وهذا يعني أن نجاح أي مبادرة أو نموذج لابد من توفر شرط نضج كافة المتدخلين .... يتبع
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية