تتحدث تقارير متواترة عن توتر متصاعد بين الجارتين ، موريتانيا والسينغال. ويأتي هذا التوتر على نحو مفاجئ للموريتانيين ، على الأقل. فلا وجود ، فيما هو منظور ، لأي سبب للتوتر ، خصوصا وأن البلدين تمكنا ، إلى حد ما، من طي صفحة أحداث ( 1989) المؤلمة، في القرن الماضي، وامتصاص قسم كبير من تلك التداعيات التي كادت أن ترمي بالبلدين في أتون حرب خاسرة للشعبين ، معا.
والآن، يتحدث الموريتانيون أن السلطات السينغالية تقوم بطرد المنمين الموريتانيين مع ماشيتهم بشكل يتسم بعدم اللباقة ، ويتنافى مع سلوك حسن الجيرة . صحيح أن هناك اتفاقية بين البلدين في مجال انتجاع المواشي الموريتانية في الأراضي السينغالية. فما الذي جرى حتى تقدم السلطات السينغالية على ما يصفه الموريتانيون بأنه خشونة وغلظة في التعامل معهم؟.
يذهب بعض المحللين إلى أنه جرت العادة أنه كلما تكدر صفو العلاقة بين المغرب وموريتانيا ، فإن ذلك ينعكس تلقائيا وسلبيا للغاية بين موريتانيا والسينغال. ولكن إلى الآن ، لا يدرك الموريتانيون البسطاء أي أسباب لتعكر علاقات بلدهم سواء بالنسبة للمغرب أو بالنسبة للسينغال. ويلعب التعتيم التقليدي المحكم - الذي دأبت عليه أنظمة الحكم الموريتانية على تطورات علاقاتها مع جيرانها – الدور الأبرز في تفاجئ الموريتانيين ، في كل مرة، بتوتر علاقات بلدهم مع جيرانه .
ومن هنا، لا يحصل لهم العلم به إلا في مراحل متقدمة جدا من تطوراته السلبية عليهم؛ فيدفعون ، بذلك، ثمن المباغتة ماديا ومعنويا. وحتى هذه اللحظة ، ما تزال السلطات الموريتانية تتكتم على ما يجري بينها مع المغرب والسينغال، برغم أن مواطنيها من المنمين ، في السينغال، يتحدثون عن ممارسة مهينة لهم من جانب السلطات السينغالية، دون أن يعرفوا لذلك سببا. ومن وجهة نظر تحليلية، لا شك أن السينغال والمغرب ، بالشعور واللاشعور، في علاقاتهما المتميزة يتصرفون إزاء موريتانيا كأنها فضاء فارغ، أو على الأقل ليس فيه دولة بينهما. وذلك ما يعيد لأذهان بعض الموريتانيين هواجس ورواسب الماضي عشية استقلال موريتانيا عن فرنسا؛ حيث عملت كلتا الدولتين على تقاسم هذا الإقليم ، وانقسم ما يشبه النخبة الموريتانية ، يومئذ، بين هذين الولاءين.
ويسود ، في موريتانيا، تخوش من اندلاع أزمة حادة أخرى بين البلدين ، دون مسوغ، عندما تنتهي فعاليات قمة العرب في نواكشوط ويتفرغ الرئيس الموريتاني للرد على تصرفات السينغال، بأسلوب يغلب عليه الارتجال والعاطفة على ما يمكن وصفه بالاستفزازات السينغالية غير المبررة. وفي هذا الإطار، يتوجب على النخب الوطنية السياسية والدينية والفنية والإعلامية، الحريصة على مستقبل البلدين واستقرارهما ، في كليهما، أن تعمل كل ما يلزم لتلافي تدهور الأوضاع ، والحيلولة دون انزلاق البلدين ، الجارين المقترنين بوثاق التاريخ المشترك والعقيدة الاسلامية السمحة وروابط القربى والجغرافيا الثابتة، نحو مواجهة إعلامية أو اقتصادية تضر بالشعبين أبلغ الضرر، ولا يستفيد منها إلا أعداؤهما.
وإنه كما تبين، من تاريخ أحداث الماضي، فإن القوى الخفية المعادية، وبخاصة فرنسا، هي التي حبكت مؤامرة أحداث 1989 بين البلدين، ثم انسحبت إلى الوراء ، لتترك الشعبين المسالمين يدفعان فاتورة مؤلمة ومرهقة في الأرواح والمصالح والاقتصاد، والسخط المتبادل والكراهية. فضلا عن حملات التسفير القسري لمواطني البلدين المتحابين عبر الحقب. لقد دفعنا ، في كلا البلدين، أثمانا باهظة في أحداث 1989 ، وتبين أنها كانت بلا معنى، وإنما تلهى بعذاب الشعبين كل من الرئيسين السابقين، معاوية وعبدو جوف ليسيرا ، كل منهما، أزمة سياسية بالنسبة للأول، وأزمة اقتصادية، بالنسبة للثاني. وطبعا، بتوجيه وتخطيط من سيدهما، معا، فرنسا. وعلينا، كنخب وطنية واعية ، ألا نستعمل المطرقة التي تضعها الأنظمة السياسية في أيدينا ، فنهشم رؤوسنا بأيدينا، بلا جدوى...
المصدر:جريدة حزب البعث/ موريتانيا