انتشر مؤخراً في وسائل الاعلام، نص المشروع الأممي للحل السياسي والأمني في اليمن، الذي عرضه المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ على الاطراف اليمنية، بعد ثلاثة أشهر من المشاورات في الكويت، حيث لاقى المشروع قبولاً من وفد الرياض، فيما رفضه وفد صنعاء.
ومنذ اعلان الأطراف اليمنية موقفها من المشروع الذي قدمه ولد الشيخ، شددت وسائل الاعلام الخليجية والسعودية منها على وجه الخصوص من حملتها الاعلامية ضد حركة أنصار الله وحزب المؤتمر، بوصفهما المسؤولان عن عرقلة مشاورات الحل السياسي الذي جرى برعاية الأمم المتحدة، وقد حاولت السعودية عبر حليفتها بريطانيا استصدار قرار من الأمم المتحدة، يدين حركة أنصار الله بدعوى عدم التجاوب والتعاون مع المبعوث الدولي، إلا أن الموقف الروسي المفاجئ، جاء عكس ما تشتهي السفن الأمريكية والسعودية، حيث إنسحب ممثلها غاضباً من جلسة المشاورات بخصوص القرار المرتقب بعد أن وجه إنتقاداتٍ لاذعة للمبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ واصفاً إياه بمن يتبنى رؤية طرف على حساب الطرف الآخر و الذي لا يليق بمن يجدر به أن يمثل دور الوسيط الأممي.
احجام وفد صنعاء عن التوقيع على المشروع الأممي، له ما يبرره، فالقبول بمشروع القرار الأممي في ظل التحيز الذي يبديه المبعوث الدولي للرياض، سيكون بمثابة صك استسلام توقعه الأطراف اليمنية أمام العدوان السعودي، وسيشكل هدراً لكل التضحيات التي قدمها الجيش اليمني واللجان الشعبية في صد هذا العدوان.
وتؤكد حركة أنصار الله أن محادثات الكويت أفضت بعد 70 يوم من المشاورات إلى أفكار للحل وافق عليها الطرفين، وتلخصت الأفكار في سلطات تنفيذية رئاسية وحكومية بالتوافق ولجنة أمنية وعسكرية وترتيبات أمنية وعسكرية بالإضافة إلى إيقاف العدوان ورفع الحصار والقيود التي أضرت باقتصاد البلد. كما أن ولد الشيخ كان قد استجاب لمطلب أولوية تشكيل حكومة وحدة وطنية مسؤولة عن تنفيذ مخرجات المفاوضات، وكان من المقرر أن يقوم المبعوث الدولي بصياغة هذه الأفكار خلال استراحة العيد، ليتم التوقيع عليها بعد العيد مباشرة، إلا أن الورقة التي قدمها المبعوث الدولي كانت مخالفة لما اتُفق عليه.
اشكالية وفد صنعاء على المشروع الأممي
ينص المشروع الأممي الذي عرضه ولد الشيخ على أن تقوم ما يصفها بالميليشيات “اي الجيش واللجان الشعبية”، بتسليم اسلحتها والانسحاب من تعز والحديدة وصنعاء والحزام الأمني لها خلال 45 يوما، تاركاً “مناقشة المسائل السياسية إلى ما بعد الانسحاب وتسليم السلاح والإفراج عن المعتقلين”. كما لم يشر المشروع السعودي الاممي، إلى فك الحصار الظالم الذي يفرضه تحالف العدوان على الشعب اليمني ولقمة عيشه منذ نحو سنة ونصف.
المطلب الرئيسي الذي شدد عليه وفد أنصار الله في المفاوضات كان تقديم حل شامل يشمل كل الجزئيات من الرئاسة والحكومة ووضع اليمن تحت البند السابع والتعويض والإعمار وخروج القوات الأجنبية، على أن تكون الأولوية لتشكيل سلطة تنفيذية توافقية، تقوم بمهام رئاسة الدولة والحكومة لفترة انتقالية، وتتولى مسؤولية الإشراف على تنفيذ الأمور التي تم الاتفاق عليها خلال مشاورات الكويت.
حيث جاء في بيان لوفد حركة أنصار الله عن محادثات الكويت أن “ما تقدم به المبعوث الأممي السبت الماضي، لا يعدو عن كونه مجرد أفكار مجزأة للحل في الجانب الأمني ومطروحة للمناقشة، شأنها شأن بقية المقترحات والأفكار الأخرى المطروحة على الطاولة”، وأضاف البيان أن أية تسوية يجب أن تشتمل أولا على الاتفاق على سلطة تنفيذية توافقية.
اللافت في مشروع القرار الذي قدمه ولد الشيخ، أنه جاء خلافاً للحلول السياسية الطبيعية والتي تتضمن عادة تنازلات موازية يقوم به طرفي النزاع على السواء، أما في الحالة اليمنية، فما يطلبه ولد الشيخ هو أن يتخلى الجيش واللجان الشعبية اليمنية عن المقاومة ويسلموا أسلحتهم وينسحبوا من العاصمة وكل المدن التي يتواجدون فيها، ولكن في المقابل يبقى الطرف الآخر المتمثل بالمستقيل عبدربه منصور هادي الذي يفتقد الحاضنة الشعبية، ولم يستطع مع كل الاستقواء بالسعودي من نقل حكومته إلى اليمن، في منصب الرئاسة، بل يتحول منصبه من منصب شكلي إلى منصب حقيقي، ليتم بعدها النقاش على المسائل السياسية في غياب أي قدرة للشارع اليمني الذي تعبر عنه حركة أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي.
فغياب حكومة توافقية، سيطرح عدة أسئلة حول كيفية تنفيذ البنود الأخرى، فمثلاً من سوف يعيّن اللجنة الأمنية التي تحدث عنها مشروع القرار الأممي، وأي حكومة ستشرف عليها، ومن سيتسلم سلطة القرار من العاصمة اليمنية، وبقية المدن خاصة وأن المدن تتبع أطرافاً مختلفة، إلى من سيتم تسليم السلاح.
وماذا عن خطر الارهاب وسيطرة تنظيمي القاعدة وداعش في المكلا وحضرموت، وما الضامن لعدم تمدد هذه الجماعات الارهابية بعد أن يلقي الجيش واللجان الشعبية أسلحتهم، أم أن الحماية من الارهاب سيتم تأمينها من الخارج، ومن هو هذا الخارج، وما هو الثمن الذي سيتقاضاه لقاء حماية اليمن من الارهاب، وهل سيتمكن حقاً من ضرب الارهاب في اليمن مع العلم أن التحالف الذي تقوده أمريكا ضد داعش والذي يضم ستين دولة لم يستطع (أو لم يرغب) في دحر التنظيم الارهابي، في حين أثبتت التجارب في سوريا والعراق أن القوى الوحيدة القادرة على دحر الارهاب، هو الجيوش الوطنية واللجان الشعبية كما في الجيشين السوري والعراقي، واللجان الشعبية التابعة لهما.
لاشك أن العائق الأساسي أمام أي حل سياسي في اليمن، هو السعودية التي تواصل عدوانها على اليمن وتستمر في قصف المدن والبنى التحتية اليمنية، حيث أن السبب الأساسي الذي أعلنت عنه السعودية لشن عدوانها على اليمن، هو منع اصطفاف اليمن في محاور بعيدة عن السعودية، ومحاولة إبقاء اليمن تحت العباءة السعودية، وقد عملت السعودية من خلال القرار الأممي الذي كانت صاحب اليد فيه، أن تحصّل من خلال المفاوضات ما عجزت عنه في الحرب، وهو مصادرة قرار الشارع اليمني وتشكيل حكومة يمنية موالية تأتمر بأمر السعودية وتسير في فلكها. إلا أن الشعب اليمني المتمثل باللجان الثورية، قد قال كلمته في رفض العدوان والاستسلام وهو اليوم في موقع أفضل نتيجة صموده الاسطوري، والأثمان الكبيرة التي تدفعها السعودية، والمتغيرات الدولية الجديدة وليس آخرها الموقف الروسي المعلن من القضية اليمنية.
السعودية