في الوقت الذي تشهد فيه بعض مجتمعات العالم حركة صراع قوي بينها وبين أنظمتها الدكتاتورية الفاشلة , التي تحاول إحتكار السلطة والإنفراد بها ... في هذا الوقت بالضبط تأتي أهمية الدور الذي كان بالإمكان أن يلعبه المجتمع الموريتاني ''المنافق'' للخروج من مأزق الأنظمة الفاشلة , بإعتبار أنه يمثل الآداة المثلى والعناصر اللازمة لحل هذا الإشكال كونه القادر الوحيد على تغيير هرم السلطة بطريقة ديمقراطية شفافة.
ولكن من أبرز المفارقات التي حدثت والتي تسمم واقعنا المعاش أنه في نفس هذا الوقت وحين تلح فيه ضرورة تغييرالسلطة السياسية وضرورة تحديث مؤسساتها التالفة وضرورة منح أولوية التركيز على تعزيز أسباب حضور مجتمعنا في ساحات هذا الصراع , القائم ''القديم والجديد'' الذي نعيشه في كل لحظة .
إنطلاقا من هذه الناحية وفي نفس هذا السياق تصبح ''ثقافة النفاق'' المستشرية في نخاع المجتمع الموريتاني المنافق هي جبهة الدفاع الأولى في هذا الصراع للطرف الآخر أي )جبابرة الفاسدين( الذين يسيطرون على السلطة , وتصبح ضرورة الإصلاح مرهونة بصورة متزايدة بوجود مجتمع موريتاني ناضج ومثقف يدرك فقه أولويات الإصلاح , بديلا عن هذا المجتمع ''المنافق'' الذي تعيش ثلة منه في فساد الفاشلين والمفسدين .
هذا المجتمع المنافق الأشبه في حقيقته'' بقطيع غنم '' تصاغ حيث يراد لها ذلك من طرف الرعاة المتمثلين في ''الشيوخ والوجهاء'' ...الزعماء المنظرين للنفاق الممنهج , حيث يتم التنظيردون أن يألف القطيع الوجهة ولو للحظة .
فالقطيع المتمرن قد تكفيه إشارة واحدة بسيطة لمعرفة مقاصدها , ليستعد لرحلته الشاقة التي تأخذه طويلا ضمن أساليب مختلفة, وبالتأكيد لن يتخلف أي خروف عن الرحلة حتى لو كانت الوجهة المقصودة ''مكان الذبيحة'' .
وفي ظل وجود هذا المجتمع المنافق والعقلية الإجرامية النفاقية نظرا لإكلاسيكية جهله المتفاقم ونظرته الضيقة للأشياء وخوفه المتجذر في النفوس وضعفه المتأصل نفقد خطوات التطور الذي يمر بنا ونحن في أبهى أوقاتنا إستنامة للجمود والإنكفاء والتراجع ليأخذ بذلك التطور وجهة معاكسة .
ويعود بنا هذا المجتمع ''المنافق والجاهل الأمي'' الذي تتم مصادرة مجهوده وثقته من قبل تلك القوى الرافضة للتغيير عن طريق رعاتها ويتم التضييق على ممارسة الحريات الفكرية والإجتهاد والإبداع والتواصل الثقافي تحت ذريعة التقاليد البالية الأشبه بخرافات القرون الوسطى أو العصور الحجرية .
إن هذا المجتمع وشيوخه التقليديين المنافقين الذين مازالت عندهم نفس النظرة المتشبثة بالأنظمة الدكتاتورية والذين قد تجاوز العصر أهمية إرثهم التاريخي وأصبحوا مجرد ''شيوخ عمائم كبيرة'' يبكون على أطلال ماسلف وبحكم نفاقهم يفرضون على هذا المجتمع آرائهم وتوجهاتهم بحكم فرضية وأصالة وتقاليد هي أشبه في العالم الإنساني المعاصر بفيزياء '' أنيوتن'' الإكلاسيكية التي سادت في القرون السابقة على القرن العشرين , ولكن العالم الآن والمجتمعات الآن والثقافات الآن ومنذو '' هايزنبرج وأنشتاين وماكس أبلانك '' من عشرينيات القرن العشرين فصاعدا أصبح يتعامل مع فيزياء أخرى.
ومن هذه الفرضية يجب على المجتمع الموريتاني أن يتعامل مع آفاق جديدة وثقافة جديدة عوضا عن ثقافة النفاق المفروضة عليه من قبل ''شيوخ'' يجهلون فيخطئون فقه الأولويات.
لهذا يجب إجاد بدائل جديدة مغايرة تماما للعقلية السائدة التي تروج للفكر غير الناضج والتبعية العمياء لتحافظ على مصالحها ...يجب أن نغير الواقع من أجل بناء وخلق سياسة واعدة والنهوض بالبلد نحو الأفضل ... علينا أن نتجاوز فوارقنا الإجتماعية التي تورث فينا الحقد والتعصب ...علينا أن نتجاوز مصادرة المجهود,ونتجاوز أنفسنا ... لنكون مجتمع إنساني قادر على كسر هاجس المطابقة والإرث التاريخي ''لشيوخ الأنفس ووكلاء الخونة ووجهائها من السياسين والإعلاميين وأصحاب المناصب والمصالح '' الذي يعجزون عن تمثيل أنفسهم وتسيير أسرهم .
فهؤلاء السياسيين والقوميين والمثقفين لايمثلون شيئا للمجتمع الموريتاني .
إن تغيير الموازين على الأرض لن ولم يبدأ ولا ينتظر من المتشرذقين الضالين والمضللين لأن التغيير ينتظر من الفيئات المستضعفة و المحرومة من حقوقها في ظل إنعدام العدالة الإجتماعية والديمقراطية والحريات العامة.
فالمجتمع الموريتاني بحاجة ماسة لتغيير السلوكيات والعقليات لخلق ثقافة مغايرة وسلطة مغايرة وسياسة مغايرة , لها القدرة على إحداث قطيعة مع الماضي الموبوء لضمان تكريس مفاهيم جديدة لجيل جديد.
إن على المجتمع الموريتاني طمس هاجس الخوف وطمس ''ثقافة الأنا'' الفردية ذات النفع الخاص .
وكل هذه العوامل تستدعي التضحية من أجل تأمين غد أفضل لأبنائنا وأحفادنا...لذا يجب على المجتمع أن يشعر بالمسؤولية تجاه نفسه ووطنه للتخلص من الواقع التعس الذي يطارده في كل لحظة والإنفلات من أسره السياسي والإجتماعي والثقافي ولن يتحقق ذلك إلا بإرادة صادقة .
فالمستقبل المرئي الآن بقوة في الأفق ينتظر خروجنا الذي لم يبدأ بعد ... خروجنا الذي تطغى عليه ثقافة النفاق المتشبثة بالراهن المشدود للماضي اللائذ بالتخلف والجمود... يجب أن نخرج بحكمة العقول النيرة .
بقلم/لبات ولد الفاظل