عندما يُحتل بلد ما؛ يبحث الانتهازيون والمتسلقون والفاسدون عن مصالحهم اينما كانت، فمنهم من يتعاون مع المحتل وآخر يذهب صوب خصومه، وآخرون يبحثون عن مصالحهم في الجوار، وهذا ما حدث بالفعل مع كثيرين عند احتلال العراق.
بعظهم أراد اين يكون سيداً بعد أن كان لا محل له من الاعراب، وأخر حاول ان يكون زعيماً مستغلا اسم عائلته ومركزها الاجتماعي، وهو لا يفقه من أبجديات السياسة شيئا، وغيرهم جاء تحت مسمى المقاومة ليصنع لنفسه تيارا او حزبا يمكنه من السلطة، لأجل المناصب الحكومية والمكاسب السياسية والمغانم المادية، وهناك اسماء كثيرة لا يمكن حصرها، وهم معروفون لدى الغالبية العظمى.
الاحتلال من جانبه خلق فوضى سياسية وإدارية بهدف التشتيت وبث الفرقة بين الأحزاب والمكونات المجتمعية، لإضعاف القرار الوطني وتشويه صورته الحقيقية، وحقق نجاحا واضحاً في تلك المهمة.. فترك الحبل على الغارب، بعد بسط سلطته في البلاد، وجعل السراق يسرحون ويمرحون امام أنظاره، بل ووقف بالضد من الوطنيين والشرفاء ممن حاول مسك زمام الأمور، وأبعدهم عن ساحة التصدي للمشهد السياسي، مستخدماً في ذلك قاعدة ميكافيلي القائلة "الغاية تبرر الوسيلة"..
حاول المحتل بل وشرع في التخلص من القيادات، ذات التأثير المباشر في القرار المجتمعي، فكان أول ضحية ذلك المشروع هو السيد محمد باقر الحكيم، الذي قال قبل دخول الإحتلال بأيام وبصريح العبارة "أما الآن فلماذا نخاف أن نصمد أمام القوى الأجنبية؟ نحن لا نقبل بالهيمنة الخارجية ولا بالحكم الخارجي، ولا نقبل بحاكم عسكري" ثم قال "سنفعل كما فعل علماؤنا السابقون مع الاحتلال الإنكليزي للعراق" اي (سنقوم بالجهاد).
بعد رحيل الشهيد العظيم اخذوا يحاربون السيد عبد العزيز الحكيم، محاولين تشويه صورته وتوجيه الإتهامات له، من خلال الإعلام الخفي والشائعات الكاذبة والمغرضة، لأن وجوده لا يقل أهمية عن وجود أخيه الراحل، بسبب مواقفه العلنية من الاحتلال.. فكان اول وآخر رئيس مجلس حكم سمى القوات الاجنبية "بقوات الإحتلال"..
عرف عن السيد عبد العزيز الحكيم مطالبته جميع المكونات، أن تشترك في الحكم كي لا تبخس حقوقهم داخل البلد، وان تكون شراكة حقيقة بين الجميع، كما سعى جاهداً وقدم التنازلات تلو التنازلات من تياره، من اجل توحيد الاحزاب الشيعية في تحالف واحد، للحفاظ على قوتهم ووحدة كلمتهم، لكن بمجرد رحيله تفتت ذلك التحالف وأصبح من الماضي.
ما إن رحل السيد عبد العزيز الحكيم، حتى توجهت تلك السهام والتهم والمكائد باتجاه نجله السيد عمار الحكيم، الذي لم تبقى تهمة ولا تخوينا الا وتم توجيهه له، فانصبت عليه كالمطر، حتى وصل الحال الى محاولة إبعاده عن قيادة المجلس الأعلى الاسلامي تحت ذرائع لا أصل لها، ذاتهم المطالبون بها لا يمتلكونها، وصلت الى اتهامه بالخروج عن خط المرجعية، كما ادعوا شمولهم بالإزاحة الجيلية، وإتهموه بالولاء للاحتلال واستلامه اموال من دول خليجية!.. وغيرها من التهم التي لا تعد ولا تحصى.
الحكيم كان واضحاً وعلنياً في كل خطوة يخطوها، ولم يخضع لأي دولة، وهو إبن السياسة والمعارضة، وكان يشار لهم بالبنان من بين الجميع، بينما هناك قيادات ذات اسماء كبيرة وعناوين عريضة شرقت وغربت في ولاءاتها علناً، وهناك أحزاب وتيارات من لا شيء اصبحت تمتلك ارتالا من السيارات والطائرات الخاصة، ومولات وجيوشا مسلحة بمختلف انواع الأسلحة بينما كانت لا تمتلك سيارة خاصة، وأصبحت لها مصارف وأملاك ومزارع وقصور.
لم تتوقف الاتهامات بالخيانة ضد ال الحكيم المعروفين بمواقفهم الوطنية على طول مسيرتهم السياسية، بينما هناك من يتباهى بالخيانة من خلال اقواله وأفعاله، ويتبجح بالولاء والطاعة لخارج أسوار الوطن، متناسيا أن الوطنية والخيانة لا تحتاج الى شهادة، إنما المواقف فقط هي من تحدد الوجهات والانتماءات.
رضوان العسكري