مقدمات ما حصل
ثغرة اخطأ المواطن العراقي في تقديرها, بسبب طبيعته العاطفية في التعامل مع الأحداث التي تدور على الساحة العراقية، وطبيعة الفجوات التي استغلتها بعض التيارات السياسية، التي تفتقر للتمثيل السياسي لصغر حجمها وانحسار تمثيلها الحكومي، لتركب موج التظاهرات المندلعة في تشرين 2019.
ليس من حق احد إلقاء التهم غير المنصفة ضد المتظاهرين او تخوينهم، فما خروجهم الا شعورهم بالوطنية اتجاه بلدهم، للوقوف بوجه الفساد والفاسدين.
ربما وفي بادئ الامر كانت تظاهرات عفوية لجماهير استشعرت المسؤولية الوطنية، ورغبتها الملحة في التغيير, ودفع البلاد الى نقطة تحول جديدة, لإنقاذ ما يمكن انقاذه، لكنها استغلت استغلالا واضحا, لتنحرف عن مبتغاها الحقيقي والحاجة الفعلية لها، فتحولت من وسيلة تغيير وبناء, الى اداة هدم وحرق للبلاد ونشر الفوضى والخراب, ناهيك عن الاستغلال السياسي, لنيل المكاسب الحزبية..
لقوى الاستخبارات الخارجية اولويات في الاستهداف, من حيث مكانة وقوة المستهدف، فكانت "المنظومة الامنية" هدفا رئيسيا يجب اضعافه او ابعاده عن ساحات التظاهرات، لتتمكن هي وادواتها من حرية الحركة، لذلك كانت في طليعة المستهدفين، بعدما تحولت التظاهرات من ثورة ضد الاحزاب الفاسدة, الى معركة بينهم وبين القوات الامنية.
ضمن نفس توجه الاستهداف كانت "المؤسسة الدينية" وهي التي شكلت عائقاً كبيراً أمامهم، لقوة ونفوذ كلمتها في الشارع العراقي، فدفعوا بأجندتهم والمتظاهرين الفقراء فكرياً, الى رفع شعارات تستهدف تلك المؤسسة، لصناعة خصام بينها وبين الشعب، وعزلها مجتمعياً وإضعاف كلمتها، واجبارها على التراجع او الوقوف ضمن حدود معينة.
الحشد الشعبي هو الاخر كان التخوف منه كبير، ويمثل حجر عثرة في الطريق، باعتباره الاقرب روحياً للشعب، وهو البذرة الصالحة التي زرعتها المؤسسة الدينية، بعيداً عن بعض التشكيلات التي لا تخضع لسلطة الدولة، ومعلوم ان دخولهم سيحسم الموقف، اذا طلب منه ذلك، فجعلوه هدفاً امام المتظاهرين، باستهداف مقراتهم ومكاتبهم داخل المدن، وحرق صور الشهداء.. وهي خطوة لضرب عصفورين بحجارة واحدة، فان رد الحشد الشعبي على الاعتداء فقد اشعلوا حرباً اهلية, وان التزموا الصمت, فقد نجحوا بإجبارهم على السكوت, ليتمكنوا من تقييد حركتهم, في حال ان ارادت الحكومة استخدامهم في بسط الامن.
ضعف الدولة وانحسار السلطة واستضعاف القانون, فتح الابواب على مصراعيها امام التدخلات الخارجية، ولم تكن تلك البداية لمشاريع الاستخبارات، بل هي انفراج المساحة لتأسيس وبناء قواعدها الاساسية، فالبداية كانت مع سقوط النظام، بعد الغياب الكامل للسلطة والقانون بوجود الاحتلال الاجنبي, الذي اتاح وشجع ومكن تلك القوى، اما الآن فهي مرحلة التجارب العملية لتلك المنظومات الخارجية "النائمة" في الداخل، وفتح افاق جديدة لها، وتصحيح الاخطاء التي وقعت بها تلك المؤسسات الاستخباراتية عند تشكيلها، فكانت تجارب ناجحة لعزل المجتمع عن متبنياته الفكرية والدينية والايدلوجية، وجره صوب تلك المنظمات.
هذا الوضع جعل التظاهرات فيما بعد, بوابة واسعة للاستخبارات الاجنبية، التي اخذت تغدق بالمال على المتظاهرين تحت عناوين مقدسة ومسميات كبيرة، فعندما تسير في الطرقات تشاهد المطابخ منتشرة على الارصفة، والمواد الغذائية التي تملأ الساحات والطرقات بكمياتها الكبيرة جداً، حيث يصعب على المتابع احصاء الاموال المصروفة لأجلها، لكن الغريب في الامر لا احد يسأل عن مصدر تلك الاموال؟! وكيف وصلت؟ ومن هو المسؤول عن توفيرها؟ والاغرب من ذلك لم يتبناها اي احد, إلا صور لشخصيات لا يمكن ان تملك هذا المال!
لم يتوقف الامر عند المال، بل اخذوا يزجون بعض العواهر والبذيئات بين صفوف الشباب, مرة يرتدين زي الطالبات ومرة اخرى تحت عناوين وظيفية متعددة، ثم اخذوا يصورون بعض اللقطات الفاضحة التي تخدش الحياء والعفة ونشرها على التواصل الاجتماعي، في خطوة خبيثة لتكون حافزاً لاستقطاب الشباب غير الملتزم والفارغ، وابعاد الواعين والمنضبطين عن الساحة، لضمان عدم صدور مواقف تكون بالضد من تلك التصرفات.. بل إن بعظهن أوكلت لهن قيادة المتظاهرين بهتافات ضد الشعائر الدينية، وبعضهم نصبت له منبراً ومكبرات صوت في الوسط للاستهزاء بتلك الشعائر وبثها مباشرةً على التواصل الاجتماعي.. وللحديث بقية.
رضوان ناصر العسكري