التاريخ السياسي للأحزاب، يحدثنا عن طرق محددة من خلالها تمنح المناصب الداخلية وتسكن قيادات الحزب حسب أهميةِ الشخوص وتأثيرهم في نشأة الكيان السياسي وتراكمية الخبرة والتاريخ الشخصي لهم، باعتبارهم العمود الفقري السياسي للحزب وهم أصحاب القرار فيه، دون فسح مجال لغيرهم في مسك زمام المبادرة وصنع القرار داخليا.
لعل أسباب ذلك من وجه نظرهم، ترجع إلى الظروف السياسية تارة و المشاكل الداخلية تارة أخرى أي تحت مبررات يجودوها في حال رغبتهم بممارسة الديمقراطية السياسية فهي دكتاتورية من نوع خاص.
التنظيم القانوني لعمل الأحزاب السياسية يتطلب منها أن تنظم أمورها الداخلية وفق نظام داخلي، يحدد مراكز صنع القرار فيها والمناصب التنفيذية والشروط المطلوبة لمن يرشح لتلك المناصب هذا هو المبدأ، لكن الواقع العملي يفرض سيناريو آخر مطرز بيافطة الديمقراطية الحزبية دون حقيقة عملية لتلك الحرية السياسية.
المشهد العراقي ليس ببعيد عن تلك الأيدلوجية في التعامل الحزبي، والأحزاب تمارس تلك الحقوق عن طريق المتنفذين فيها الذين يحاولون دائما لاعتبارات شخصية أن يفرضوا أرادتهم على من هم أدنى منهم مرتبة في التنظيم الحزبي، حيث اغلب مناصب صنع القرار يفوز أعضائها بالتزكية من قبل رئيس الحزب دون مراعاة لأي جوانب أخرى.
ذلك النفق المظلم يبزغ منه ضوء كالشمس في رابعة النهار، فنحن نشاهد ذلك الكيان السياسي الفتي بتشكيله والقوي بتاريخه السياسي الحافل ألا وهو تيار الحكمة الوطني، الذي يعد أحد أركان العملية السياسية العراقية ومن روادها ونقطة الاعتدال والاتفاق فيها، من خلال ما جرى يوم5\3\2022 من أعمال مؤتمره العام الثاني من تجربه ديمقراطية شيء ترفع له القبعة، فهو مسار سياسي جديد يضع جميع الأحزاب السياسية أمام منعطف تاريخي مهم من حيث فسح المجال لأعضائها بانتخاب قيادات الحزب دون أي عناصر ضغط أو أوراق مدون فيها أسماء تنال التزكية والموافقة من رئيس الكيان.
ابهرني التنظيم والتفويج والعملية الانتخابية كانت متسلسلة الخطوات وشفافة في الإجراءات، منح جميع الأعضاء حق الترشيح وفق الشروط المعقولة التي وضعت وأعطي لهم حق الترويج لأنفسهم وكان قرار أعضاء المؤتمر هو الفاصل في تحديد رجالات المرحلة المقبلة.
لكن هناك شيء ملفت للانتباه, وهو الثقة التي منحت للمرأة من قبل الأعضاء التي فازت بعيدا عن مبدأ الكوتا واستحقت أن تكون مؤثرة في صنع القرار السياسي في تيار الحكمة،
ليس هذا فقط، بل وجدنا الشباب يأخذون زمام المبادرة ويتصدون للقرار بكل شجاعة وإقدام بجوار رجال الخبرة والحنكة والتاريخ السياسي الذين جددت بهم الثقة.
انتخابات المكتب السياسي للحكمة أنتجت لنا ثلاثية يندر تطبيقها بعدد كبير من الأحزاب بل قد تكون منعدمة أذا دققنا المشهد، تلك الثلاثية التي يمثلها شخوص من فازوا بالعضوية هي ( التاريخ والخبرة والطموح).
كل تلك الايجابيات التي ذكرت مردها نقطه مهمة، تتمحور حول أفاق الفهم والوعي والإدراك السياسي الذي يتمتع به أعضاء الهيئة العامة للحكمة حيث اختاروا قادتهم وفق رؤية واضحة وشاخصة تراعي ميزان العناصر الثلاث بعيدا عن الشخصنة والمحسوبية والعاطفة.
أخيرا أؤشر لنقطه إيجابية بالغه الأهمية كذلك،هي رضوخ جميع المرشحين لما أفرزته الانتخابات، بل ابعد من ذلك ذهبوا لتهنئة إخوتهم الذين نألو الثقة وهذا مصداق حقيقي للتداول السلمي للسلطة وحرية الاختيار وبتطبيقه نصل لأعلى درجات الديمقراطية، حيث نشاهد على مدى عقود مؤتمرات سياسية كثيرة لأحزاب تنتهي عادة بالانشقاق والخصام والتفكك.
هنيئا لحكيم الحكمة برجالاته ومشروعه، فهم يسطرون بعملهم تجربة سياسية جديدة ندعو الأحزاب السياسية الأخرى للسير وفق ذلك المنهج الديمقراطي الحقيقي، وإدامة زخم الدماء فيها بدلا من كهولتها السياسية المستمرة.
ياسر سمير اللامي