التاريخ يكشف لنا أن السيطرة على العالم تنقسم لحقب زمنية، تتعدد فيها الأقطاب فترة وتكون منفردة فترة أخرى.. فبعد الحرب العالمية الثانية، كانت الثنائية بين روسيا وأمريكا إلى عام ١٩٩٠، حينها أصبح أحادي برعاية أبناء العم سام، وهذا ما لا ترتضيه مصالح كل من الصين وروسيا.. ولا بد لتاريخ جديد أن يكتب.
عام ٢٠٠١ تولى بوتين الرجل القومي الرئاسة، وكانت مقولته الشهيرة ( من ينسى الأتحاد السوفيتي فهو بلا عقل، ومن يريد إعادة النظام كذلك فلا عقل له) هذا له دلالة سياسية، على أنه يفكر جدياً بأن يعود بالدب الروسي، ليكون أحد الأقطاب مره أخرى، ولكن ليس بصبغة الإتحاد القديمة، لذلك كان يطمح يوماً بعد يوم، ليكون هو الشريان الرئيسي المغذي للطاقة في أوروبا، لينعش أقتصاد بلاده، لأن الوفرة المالية هي الطريق المناسب للوصول إلى قمة الجبل، والغاز كان بداية هذا الحلم، حيث أن 40% من طاقة ألمانيا و 30% من طاقة أوروبا كلها تعتمد على الغاز الروسي، ولا يمكنهم الأستغناء عنه..
هذا الخطر كان واضح المعالم للغرب الأمريكي وحلفائه, ولم يكن هناك حل سوى أن تكون أوكرانيا هي ورقة الضغط ضدها، وآخر خطواتهم كانت إعلان كييف نيتها الدخول في حلف النيتو، وهذا يعني تحولها إلى قاعدة عسكرية على الحدود الروسيه! .. وبدأ الإستفزاز الغربي لمعسكر الروس، عن طريق إسقاط الحكومة الموالية لهم في كييف عام ٢٠١٤، وتنصيب زيلينسكي ذاك المهرج المطيع للغرب.
أنشغال أمريكا وحلفائها بمراقبة الروس، جعل الصين في معزل عن العالم.. بلدٌ ذو حكم مستبد بدأ يجتاح العالم بالبضائع رخيصة الثمن، فكانت تبيع كل شيء في السوق السوداء، مما أضطر دول الأمم المتحدة إلى إدخال الصين في منظمة التجارة العالمية عام ٢٠٠٢، لمحاولة شل حركتها، لكن الظروف كلها كانت لصالح التنين الأحمر.. وفرة المواد الأولية و رخص اليد العاملة، كل هذا دفع الشركات الرأسمالية إلى إنشاء معاملها داخل حدود الصين، ليصبح أقتصادها في ٢٠١٩ الأول عالمياً، وبعد جائحة كورونا أستطاع الرئيس شي جين بينغ، أن يؤمم كافة الشركات لصالح الحكومة، ليكون الوباء يد العون العظمى والطريق الأمثل نحو أعتلاء قمة الجبل، ويضع أمريكا والعالم أجمع أمام الأمر الواقع، فلا سبيل أمام مواجهة رخص البضائع وكثرتها، لأنها تغزوا الأسواق العالمية ولا منافس لها.
طموحات الرئيس بوتين والحلم الروسي، كذلك نظيره الصيني بالإمبراطورية ما زالت قائمة، لكنهما ينتظرون الفرصة ليأكلوا الكتف في الوقت المناسب، وبدأت أولى الخطوات عام ٢٠٠٨ عندما دخل الدب حدود جورجيا، المطلة على البحر الأسود، وتلتها جزيرة القرم عام ٢٠١٤ والآن جاء دور أوكرانيا..
المتابع للظروف الجيوسياسية سيعلم أن روسيا تبحث عن سيطرة على الحدود قرابة البحر الأسود، لتأمن طريقها نحو المياه الدافئة، تمهيداً لمشروعها الذي يربطها بآسيا وأوروبا، كما وأ، التاريخ لا يمكن له أن ينسى تايوان, التي تعتبر الخطو الأهم في طريق الشمشون الصيني، وما بدأه بوتين سينهيه الرئيس الصيني في تايوان، ولن يكون أمام أمريكا سوى فرض العقوبات الأقتصادية والعزلة المالية تجاههم.. والمثل يقول (المبلل ما يخاف من المطر).
أن من يبدأ هذا الصراع، لايمكن له أن يعتمد على البنك الدولي في تحديد تعاملاته المالية فقط، لذلك كانت هناك خطوات أستباقية من الطرف الشرقي، بإنشاء بنك شنغهاي، الذي بدأ ب100 مليار دولار في أول تأسيس له، ليكون هو البوابة التي تخرج روسيا من عنق زجاجة ضائقة المالية، وبعد أقل من عام سوف ترضخ أمريكا وحلفائها للأمر الواقع، عندها ستبدأ الصين فتأكل حصتها من تايوان.. والصراع الذي بدأ من أحادي القطب سيتحول ربما لثلاثي, ولن يكون في ملعب واحد بل ستعدد الساحات.. وفي جميع الاحول سنكون نحن مجرد ساحة لعب لكل الأطراف.
محمد جواد الميالي