ربما يعتقد الكثيرون ان المادة (409) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل والتي تنص : (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات من فاجأ زوجته او احدى محارمه في حال تلبسها بالزنا او وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال او قتل احدهما او اعتدى عليهما او على احدهما اعتداء افضى الى الموت او الى عاهة مستديمة ولايجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق ضده احكام الظروف المشددة.) . جاءت متماهية مع رؤية تشريعية مرتهنة الى واقع عرفي اجتماعي كان حاضرا ً امام لحاظ المشرع الجنائي لحظة صياغة النص ،فل ايدور في خلد المطلع ان هذا النص مستل من المادة ( 324/ 2) من القانون الفرنسي وله رديف في القوانين الاوربية الاخرى كالقانون الايطالي في المادة (587) والقانون البلجيكي في المادة (412) والقانون البرتغالي في المادة (327) (1) على سبيل المثال لا الحصر ، وان جذور النص ترتبط بالقانون العثماني الملغي وفي المادة (188) التي تنص ( من فاجأ زوجته او احدى محارمه حال تلبسها بالزنا مع شخص آخر فضرب او جرح او قتل احدهما اوكليهما معا فهو معفو ومن رأى زوجته او احدى محارمه مع شخص اخر على فراش غير مشروع فضرب او جرح او قتل احدهما او كليهما فهو معذور . وانتقل الى قانون العقوبات البغدادي الذي سنته قوات الاحتلال البريطاني في عام 1918وفي المادة (216) منه والتي تنص (من فاجأ زوجته او احدى محارمه في حال تلبسها بالزنا او وجودها في فراش واحد مع عشيقها وقتلها في الحال يعاقب بالحبس مدة لا نزيد عن ثلاث سنوات )الى ان صدر قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 لتدرج نصا في المادة (409) من القانون ، ان هذا التمهيد الذي يشير الى جذور النص القانوني الذي وجدناه منقولاً من المشرع العثماني المتأثر بافكار الثورة الفرنسية والذي اراد تطبيقها جنائيا باعتبارها نصوص عقابية اكثر تحضرا ومدنية من قوانين الدولة العثمانية الرجعية ،وبعد احتلال البريطانيين وتشريع قانون العقوبات البغدادي وجدنا النص ذاته ،ولعل السؤال المطروح لماذا يسن الاحتلال البريطاني تشريعا جنائيا يجد اصوله في القوانين الفرنسية ..؟
والاجابة تكمن في طبيعة الاحتلال البريطاني الذي ينظر باستعلاء الى المستعمرات باعتبار مواطنينها اقل درجة من المواطن البريطاني اضافة الى ان البريطانيين يعتمدون نظام السوابق القضائية في بلادهم والبلاد الانكلو سكسونية المعتمدة على الاعراف القضائية وبالتاكيد ان طبيعة الحياة والعلاقات الاجتماعية تختلف بين المجتمعات ،ودليله ان عقوبة جريمة الزنا في بريطانية عقوبة أخلاقية وليست قانونية لقد اثار النص القانوني الوارد في المادة (409 ) من قانون العقوبات العراقي الكثير من الاشكاليات موضوعا ونصا عقابيا لينعكس على التطبيق القضائي نجملها بالاتي: لقد ارتهن المشرع الجنائي الى رؤية ذكورية منحازة ساهم فيها التماهي بين قصور الترجمه للنص الفرنسي التي كانت بعيدة عن مقاصد المشرع الفرنسي اولا ًو موائمة وارضاء النظرة الذكورية للمشرع الجنائي العراقي ثانيا ً الأمر الذي احدث تفاوت في الحماية القانونية بين الذكر والانثى حتى ان هذا الحق كان حكرا على الرجل دون المراة فالدفاع عن العرض والشرف مقتصر على الرجل فقط كما ان الرجل لو كان في موضع المجنى عليه لا تستفيد المراة من النص القانوني وماورد فيه من من عذر وتخفيف للعقوبة اذاكانت المرأة هي الجاني ووجدت نفسها امام مفاجأة زوجها متلبسا ً بالجريمة فقتلته مع شريكته وهذا لايتفق مع المبادىء العامة لحقوق الانسان والحريات والرؤى الدستورية وروح القوانين ومتطلبات العدالة علما ان مفردة (conjoin) ) الفرنسية تحتمل التانيث والتذكير وتطلق على البعل (الزوج ) وامراته ولذلك فمن العدل ان يكون كلاهما على صعيد واحد امام القانون وقد سارت كل القوانين العربية بهذا الاتجاه باستثناء القانون الجزائري الذي منح هذا العذر للرجل والمرأة.
اسراء سلمان