من المسلمات في العصر الحديث أن الدولة لا بد أن تخضع للقانون، وتوصف الدولة القانونية بخضوعها لمبدأ المشروعية والذي يعني بمفهومه الواسع سيادة القانون أي خضوع جميع الأشخاص بما فيها السلطة العامة بكل هيئاتها وأجهزتها للقواعد القانونية المكتوبة وغير المكتوبة السارية المفعول بالدولة، أما المشروعية الإدارية فمعناها خضوع الأعمال والتصرفات الصادرة عن السلطة )التنفيذية) الإدارة العامة للنظام القانوني السائد بالدولة في مختلف قواعده.
وكذلك اتفق الفقه وأقرت التشريعات الدستورية في معظم دول العالم على حق الدولة في حالة الضرورة الخروج عن قواعد القانون لمواجهة الظروف الاعتيادية لتتزود بقواعد قانونية جديدة استثنائية أحوالاً غير عادية تهدد كيان الدولة.
وحالة الطوارئ من المواضيع المهمة التي تلقي على عاتق السلطة التنفيذية وهي تقوم بوظيفتها الدستورية التقيد بمبدأ المشروعية الذي يعني احترامها للقواعد القانونية الأعلى المرتبة.
ووفق دستور 2005 منحت المادة (61 / تاسعاً) منه مجلس النواب صلاحية إعلان حالة الطوارئ وبأغلبية الثلثين بناء على طلب مشترك من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، كما حدد المدة القصوى لإعلان حالة الطوارئ بـ (30( يوم قابلة للتمديد في كل مرة ، كما أحال الدستور للقانون تنظيم كل ما يتعلق بحالة الطوارئ، وبعد انتهاء المدة المذكورة يقوم رئيس مجلس الوزراء بعرض الإجراءات المتخذة والنتائج التي تم التوصل إليها إثناء مدة حالة الطوارئ على مجلس النواب خلال )15) يوماً من تاريخ انتهائها، ويترتب على ذلك إن المدة المذكورة حتمية ويتوجب مراعاتها من رئيس الوزراء وبخلافه بإمكان مجلس النواب إثارة المسؤولية السياسية والتي قد تصل إلى سحب الثقة منه.
ويؤخذ على دستور 2005 أنه لم يحدد الحالات التي بإمكان الحكومة إعلان حالة الطوارئ بموجبها فضلاً عن أنه لم يحدد النسبة المطلوبة في لتمديد حالة الطوارئ هل هي أغلبية الثلثين أم الأغلبية المطلقة؟ وبالرجوع إلى المادة (61) من الدستور نجد أنها لم تشترط أغلبية الثلثين عند تمديد حالة الطوارئ، وإنما اشترطت هذه الأغلبية عند الإعلان عنها فقط، وبالتالي ليس هناك حاجة لموافقة الثلثين على تمديد حالة الطوارئ إذ إنها شرط ابتداء وليس شرط استمرار، إلا أننا نرى أنه طالما تم إعلان حالة الطوارئ بأغلبية الثلثين لذا يتطلب تمديدها نفس الأغلبية المطلوبة.
إن "الطوارئ تعلن عادة لأسباب أمنية أو قلاقل أو مشاكل أمنية في بعض المناطق، لكن حالة الطوارئ تعطل فيها القوانين المألوفة ونكون أمام الحالات الاستثنائية ومنها اعتقالات دون الرجوع إلى القضاء وتقييد الحريات ومنع السفر وإغلاق وسائل الإعلام وكلها موقتة تحتاج أن لا تستغرب طويلاً، وعادة البلدان تلجأ إلى الطوارئ في أضيق الحالات".
ظهرت الى التداول السياسي الرسمي والشعبي هذه الأيام دعوات من قبل بعض السياسيين العراقيين لتشكيل حكومة طوارئ، ولا توجد في الدستور أي إشارة لا من قريب أو من بعيد إلى حكومة طوارئ وإنما تحدث الدستور عن حالة الطوارئ كما بيناها أعلاه.
إذاً هل يحق لحكومة العراق وهي في وضع تصريف أعمال أن تقوم بهذه المهمة، ويحق لحكومة تصريف الأمور اليومية أن تقدم هذا الطلب؟، والرأي القانوني الذي أتبناه، نعم تستطيع هذه الحكومة تقديم طلب بهذا الخصوص إلى مجلس النواب، لأن الأمن هو من أولى أولويات حكومة تصريف الأعمال والعراق يمر بمرحلة خطيرة، فمن الممكن أن تنزلق البلاد إلى حافة حرب أهلية إذا استمرت حالة الانسداد السياسي التي يمر بها الوضع السياسي، ويصطدم هذا الحال مع الدستور مرة أخرى، لأن موافقة البرلمان على حالة الطوارئ يجب أن يكون التصويت بأغلبية الثلثين وهذا من الصعوبة تحقيقه، ونرى من خلال ذلك، لن تكون هناك حالة طوارئ ولا حكومة طوارئ، وسوف يبقى الحال على ما هو عليه، وتبقى الموازنة التي يعول عليها المواطن الفريق معطلة، وليذهب الفقير والبلد إلى الجحيم في زمن الأحزاب الإسلامية.
د. صلاح الصافي