كل يوم يرحل عن حياة الدنيا الكثير؛ فمنهم من يترك له أثرا أو ذكرى أو حتى موقف يستذكر به ، ويستشهد الناس به، وقلة من الناس من يرحل ويُخلف إرثًا فكريًا وحضاريًا يردد اسمهم ويقود الشعوب من بعدهم على ذات الدرب الذي ساروا فيه قبل رحيلهم، ويخُط طريق سير لا يختلف عليه أحد.
"فالشهداء " أو "الأدباء الراحلون بشهادة في سبيل الله وفي سبيل تحرير الوطن من رجس الاحتلال "، أناس يرحلون وقد تركوا إرثًا عظيمًا، فكانوا في حياتهم خير القادة وخير القدوة لمن بقي خلفهم أو ارتحل بعدهم.. هم أناس حملوا همّ الأمة وبنوا لها إرثًا تسير عليه الأجيال من بعدهم حتى لا تضل الطريق وتضيع البوصلة عن تحرير فلسطين كل فلسطين .
الفدائي رعد فتحي حازم (29 عاماً)، من مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة، إثر خروجه من المسجد في مدينة يافا، بعدما أدّى صلاة الفجر جماعةً اشتبك مع قوات خاصة إسرائيلية طلبت منه تسليم نفسه ، فأبى إلا أن يطلق ما تبقّى له من رصاصات، قبل ارتقائه شهيداً .
وقد استطاع رعد بإرادته التي لا تنكسر بعد هجومه على عاصمة كيان الاحتلال من نشر حالة من الرعب والخوف والهلع بين صفوف سارقي الأرض وقتلة الأطفال ليدحض ببطولته هذه مقولة «الكبار يموتون..والصغار ينسون» والتي أطلقها بن غوريون، مؤسس الكيان الصهيوني، وتبناها أشهر وزراء خارجية أميركا في حقبة الحرب الباردة، دالاس.. وعلى نهجهما سار كثيرون من ساسة أوروبا وأميركا والعالم، وخاصة ممن يستظلون بظل واشنطن، ويدورون في فلكها، ويرقصون في عتمتها.. ويتسابقون للتطبيع معها!!
وهناك أطلق رعد العنان لبندقيته مصوباً رصاصاته تجاه من يعتبر أنهم لا يستحقون لطفه ومحبته، أولئك الذين قاموا بتحويل مخيم جنين، حيث نشأ وعاش، إلى كابوس يومي، يستبيحه قطعان عسكرهم وأجهزة مخابراتهم وأمنهم ليعيثوا فيها قتلاً واعتقالاً وإذلالاً .
فمن رحم تلك المعاناة، تخلى رعد عن ودّه، لساعات فقط ، وأراد أن يكون مختلفاً عمّا عاشه طيلة سنواته الـ29 حركته لم تكن عبثية ، والقتل بالنسبة له لم يكن هدفاً أو أسلوب حياته، هو فقط ود تذكير أولئك المحتلين أن حب الوطن من الإيمان ، إلا أن حب فلسطين أقدس الأوطان يعادل الروح ورغد الحياة الكريمة .
وأخيراً لن يكون رعد آخر الفدائيين فالعملية الرابعة خلال أسابيع قليلة في قلب تل أبيب، تثبت أن الخوف لم يتسلل بعد إلى قلوب أولئك الشبان "الأبطال"، وأن شكلاً جديداً من المقاومة قد وُلد وبشكل جديد يستلهم شجاعة كل شهدائنا الأبرار ، ويمضي بخطط منفردة ليكسر "السور" الواقي" الصهيوني، ويخترق الذاكرة الصهيونية ، التي ظنّت أن تل أبيب محيّدة عن الصراع وأن رعد حازم أسطورة الرعب التي لا تنكسر
بقلم د. وسيم وني / مدير مركز رؤية للدراسات والأبحاث في لبنان