اعتمدت بعض الأعراف السياسية في العراق كقوانين، بعد الاعتقاد أنها سبب في استقرار العمل السياسي، وإعطاء تطمينات للأطراف السياسية والمجتمعية،كلها، وفي السياسة وقوانين حكم الشعوب أحياناً، تكون للأعراف تأثيرات أكبر من القوانين، أو تبنى القوانين على ما يلائم الأعراف، بإعتبار ذاتها قوانين غير مكتوبة تنظم حكم المجتمعات.
أهم الأعراف السياسية التي اعتمدت بعد العام 2003م، هو تقسيم سلطات الرئاسات بين المكونات، رغم عدم وجود نص دستوري يشير الى ذلك، ولكنها أوجدت لخلق نوع من الثقة المتبادلة بين الأطراف السياسية، ومنع مكون من التفرد بالحكم، واعتماد هذا العرف أوجد مقبولية شعبية، مع التأكيد على ضرورة المحافظة على هذه الأعراف حفاظاً على وحدة العراق وحقوق مكوناته.
تعطي هذه الأعراف رئاسة البرلمان للمكون السني، ورئاسة الجمهورية للمكون الكردي، رغم أنهما يتمان بالانتخاب، لكن الترشيح في البداية من قبل المكون نفسه ،وتفاهم وقبول بقية المكونات، أما رئاسة الحكومة فهي للمكون الشيعي، الذي اعتمد على تشكيل تحالف ومن الكتلة الأكثر عدداً، فيه يكون رئيس مجلس الوزراء، وبموافقة بقية أعضاء المكون، لكن من الضرورة في ظل هذه التقسيمات، الاعتراف بأن العراق مقسم على أساس مكوناتي، أو الغالبية لمكون ما في الدوائر التي كانت على أساس المحافظات، وفي القانون الانتخابي الأخير 2021م، كانت التقسيمات أضيق.
عمّق هذا القانون الانتخابي نوعاً من الانقسام المجتمعي مناطقياً ومكوناتياً، وفي إشارة الدستور الى آليات إنتخاب رئيس الجمهورية، وحاجة ثلثي أعضاء البرلمان، وفشل جلستين للبرلمان بالانعقاد، أصبح من الضروري البحث عن مخارج للعملية السياسية، وبحث طرق تشكيل الكتلة الأكثر عدداً، وباختلاف القوى المتنافسة؛ يرى التحالف الثلاثي أنه هو الكتلة الأكثر عدداً، والطرف الشيعي في التحالف هو من يرشح، فيما ترى الأطراف الأخرى من الإطار التنسيقي وأكثر من 140 نائباً لم يحضروا الجلسات، إن الكتلة الأكبر من الشيعة وهم المكون الأكبر، وحتى في حال تشكيل حكومة أغلبية فلابد أن يقترب عدد نواب هذا المكون الى نصف العدد، نسبة لتمثيلهم الشعبي والبرلماني، وبذلك ما يزال الجدل، هل يحق للتحالف الثلاثي ترشيح الرئاسات الثلاث، مع امتناع 40% من الأعضاء من الحضور، وتعبيرهم عن الرفض وعدم تحقيق التوازن الإجتماعي في التمثيل الحكومي؟
إن الكتلة الأكثر عدداً مقصود منها تلك الكتلة التي يناط بها تشكيل الحكومة، وهنا لابد أن تكون من المكون الشيعي، أو له الأغلبية في أي تحالف نسبة الى عدده السكاني وتمثيله النيابي، وفي الواقع الحالي فقط تحالف الأطار والتيار هو من يحقق ذلك، أو تحالف أحدهما أن رفض الآخر مع المستقلين الشيعة، والمعطيات الحالية؛ رفض التيار التحالف مع الأطار، وربما يضطر الأخير للتحالف مع المستقلين، مع الأخذ بنظر الاعتبار موافقة بقية الأطراف على أيّ من مرشحي الرئاسات الثلاث.
أدت خلافات التفسيرات الى تأويلات تجر فيها قوى سياسية النار الى قرصها، وبما أن التحالف الثلاثي هو الآخر لم يتجاوز العرف السياسي الذي يقسم الرئاسات على المكونات، فلابد أن يكون الحل من أحد الطرق، إما يناط تشكيل الكتلة الأكثر عدداً من كل المكون الشيعي وتعد كتلة أكثر عدداً تتبنى الحكومة، أو يكون تحالف الأغلبية يتناسب مع التمثيل المكوناتي، أو يتم التحديد بين التيار والإطار، من يكون التحالف الأكثر عدد منهم ليناط به تشكيل الحكومة، بوصفها حصة الشيعة الذين لم يعترضوا على اختيارات بقية المكونات، وإن العرف السياسي جزء من العمل السياسي الذي يحافظ على المكونات، ولا يمكن دخول الشيعة في تحالف يحتاج الى 220 مقعداً بـ 76 مقعداً فقط، ويكون بذلك المكون الأكبر أقليةً، ومخالفاً لمنظومة الديمقراطية التي تشترط حكم الأغلبية الشعبية.
واثق الجابري