لا يبعث المشهد السياسي العراقي على الركود والانسداد السياسي كما تصورها التحليلات والمقالات والحوارات التلفزيونية، إنما يبعث على أقل ما يوصف بكوميديا هزيلة وتثير الاشمئزاز، بكل تلاوينه وشخصياته ومحلليه وأطرافه وأحزابه وقواه السياسية.
أول المشاهد الهزلية لذلك المشهد؛ جهود حثيثة أنفقها العديد من المثقفين واصحاب اقلام، الذي يسوقون انفسهم على إنهم ليبراليون وديمقراطيون، بإعادة البريق للعملية السياسية بعد انتخابات ١٠ تشرين الأول العام الماضي وخاصة عندما قاطعتها أكثر من ٨٢٪ من جماهير العراق. فكل جهودهم صبت بالتقريع وإلقاء اللوم على من قاطع الانتخابات، وبأن التغيير الجذري كان ممكنا لو حصل ما يسمى بالمستقلين على عدد كبير من المقاعد، متناسين مثل النعامة التي تطمس راسها بالوحل بأن صناديق الانتخابات لم ولن تحسم يوما ما مسالة السلطة في الشرق الأوسط وفي ظل الأنظمة السياسية الاستبدادية التابعة للإمبريالية، فما بالك في عراق المليشيات، فالانتخابات ليست أكثر من مسرحية سمجة ترفع ستارها كل فترة زمنية، لصياغة جديدة للعملية السياسية تتلاءم مع المتغيرات الاقليمية والدولية اكثر مما يحدث من متغيرات محلية. واولئك الفطاحل من الليبراليين وبسبب منهجهم الفكري الذي لا يمكن أن يروا غير وقع أقدامهم، لا ينظرون بأن التغيير ممكن خارج العملية السياسية، في الوقت الذي، ان كل الازمة السياسية التي تلازم المشهد السياسي منذ غزو واحتلال العراق هو نفس العملية السياسية.
ثاني المشاهد التي هي بحق كوميدية وهي المبادرات التي تعلنها اطراف البيت الشيعي بين الفينة والاخرى، والتي ليس أكثر من عملية لكسب الوقت وطمس ماهية الصراع على المكاسب والحصص. فمهلة الصدر أربعون يوما التي أطلقها كانت وما زالت تعبير عن انسداد أفق تشكيل السلطة والتفرد بها من قبله تحت عنوان حكومة الاغلبية، وكانت المهلة المذكورة فرصة لإعادة التفكير وعقد المفاوضات خلف الكواليس وفسح المجال لتدخل القوى الإقليمية والدولية التي تمسك بالمعادلة السياسية العراقية، عسى ولعل تجد مخرجا لحل ازمة السلطة، وهو يدرك أي الصدر جيدا بالرغم تشكيله كتلة (إنقاذ الوطن) من ١٧٦ مقعد لم يستطع تشكيل الحكومة، فهل يعقل بأن الإطار التنسيقي الذي سخر كل الأموال التي سرقها ونهبها لشراء ذمم ما يسمى بالمستقلين للانضمام إليه كي يعوض عدد المقاعد الذي خسرها في الانتخابات، بإمكانه تشكيل حكومة! أما الإطار التنسيقي، فلم تكن مبادرته التي اعلنها في اول ايام العيد، تختلف عن المبادرات السابقة والتي دقت طبوله الاعلامية لنقاطه التسعة؛ قانون انتخابات جديد ومفوضية جديدة وسن قانون النفط والغاز لتنظيم العلاقة بين بغداد واربيل وادراج قوات البيشمركة في القوات المسلحة..الخ التي تبرزها كل كتلة سياسية عندما تشتد الازمة السياسية. المبادرة لم تكن أكثر من جعجعة إعلامية لذر الرماد في العيون وحجب الحقيقة التي تختفي ورائها وهي انقاذ حصة المكون الاكبر الشيعي بشكل عملي وسياسي أو كما في تسميته الجديدة المكون الأكبر المجتمعي بعد انقاذها قانونيا بفضل المحكمة الاتحادية التي افتت بحضور ثلثي أعضاء البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية. أما المبادرة الاخيرة للصدر والتي هي الاكثر هزلية من بقية المبادرات السابقة الفاشلة، هي تكليف المستقلين بتشكيل الحكومة شرط عدم مشاركة الإطار التنسيقي فيها. وهذه محاولة فاشلة اخرى من قبل الصدر لإغراء من تم شرائهم من ما سموه بالمستقلين واعادتهم الى الركب المؤمن أو قطع الطريق أمام الاطار التنسيقي في مواصلة شراء ما تبقى منهم، كتحصيل حاصل تدرج هذه العملية في خانة كوميديا المبادرات.
و المشهد الهزلي الآخر هو زيارة الحلبوسي رئيس البرلمان إلى إيران قبل أيام ، لحل عقدة الأزمة السياسية. وهذا الحلبوسي الذي ظل مع الصدر والكاظمي يعزفون على لحن نشيد موطني وسيادة العراق واستقلاليته وقراراته السيادية وبعدم جواز التدخل بالشأن السياسي العراقي، يشد الرحال للتوسل الى ملالي ايران للضغط على البيت الشيعي المتهاوي كي يتنازل عن بعض مكاسب ونفوذ السلطة للصدر وكتلته التي تحاول أن تغرد في المحيط العربي والامريكي. و الحلبوسي لم يقم بزيارته تلك دون موافقة أطراف تحالفه الثلاثي وهم الصدر-البارزاني-الحلبوسي والخنجر.
هذا الوضع الذي يمر به العراق هو وضع انتقالي، وفشل جميع المبادرات السياسية وفشل تشكيل حكومة وفشل الانتخابات هو تعبير عن احتدام الصراع بين مشروعين وعدم قدرة أي منهما في إزاحة الآخر، وهما مشروع الحاق العراق بمعسكر إيران الذي يسمي نفسه بالمقاومة والممانعة، ويجدر بالذكر أن قصف المنطقة الخضراء متزامنا بأيام بقصف محيط مدينة اربيل، بقدر انه رسالة الى الكاظمي لإيقاف هجوم الجيش العراقي بطلب من تركيا لطرد حزب العمال الكردستاني التركي من مدينة سنجار والمحتمي بمليشيات الحشد الشعبي، بنفس القدر سيكون محصلة ذلك القصف تحريك المياه الراكدة في المشهد السياسي. أما المشروع الثاني هو مشروع الكاظمي وكاد ان يدفع حياته ثمنا له مثل رفيق الحريري ويقف خلفه التحالف الثلاثة المذكور، واعادة العراق الى حاضنة “الأمة العربية”.
واخيرا ان كل هذا الصراخ والعويل في الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي والصحف حول الانسداد السياسي والركود السياسي الذي يخيم على المشهد السياسي العراقي، بالإمكان تلخيصه في سؤال؛ هل كان الوضع السياسي في العراق مختلفا قبل هذا (الركود السياسي أو الانسداد السياسي) ومنذ تشكيل مجلس الحكم بقيادة بول بريمر الرئيس المدني للاحتلال منذ عام ٢٠٠٣ وحتى انتخابات أكتوبر ٢٠٢١؟ الجواب عليه لا يحتاج إلى أي عناء، فالمرء يصل بسهولة إلى استنتاج أن ما يحدث في المشهد السياسي هو كوميديا هابطة بالمعنى المطلق وبحاجة الى اسدال الستار عليها.
سمير عادل