وساهم التدهور في مستويات الدخل الناجم عن فقدان التكيف مع الظروف الإقليمية والدولية وسوء السياسات الاقتصادية والاجتماعية في تفاقم الهوة داخل المجتمعات العربية وفي ما بينها في توزيع الدخل فبينما يصل دخل الفرد في بلد كالكويت 42 إلى أآثر من عشرين ألف دولار لا يتجاوز في اليمن 350 دولار ويقدر التقرير العربي للتنمية الإنسانية معدل البطالة في البلدان العربية بحوالي 15% من القوة العاملة، وهو من أعلى المعدلات في العالم.
بينما ترتفع هذه النسبة بشكل خطير في بلدان عربية عديدة مثل العراق وفلسطين والسودان.
وهي مرتفعة بشكل خاص بين النساء والشباب لم ينجم تزايد معدل الفقر والبطالة في العالم العربي عن اندماج فعلي وواسع للاقتصاد العربي في السوق العالمية، ولا عن توسيع نطاق تطبيق التقنيات الحديثة وتسريح جزء من فائض العمالة. لقد حدث نتيجة تباطؤ النمو من جهة وتراجع الموارد الريعية بموازاة انخفاض أسعار النفط النسبي والتقلبات الاقتصادية بالإضافة إلى الفساد الكبير الذي قاد إليه التحالف الجديد الذي حصل في العقدين الماضيين بين أصحاب الثروة وأصحاب السلطة.
فقد سمح التحكم المزدوج بالسلطة والمال وما أدى إليه من التلاعب بالقانون وتقييد للحريات وتخفيض سياسي للمرتبات والأجور بإعادة توزيع مجحف للثروة لم يحصل في أي حقبة سابقة وكان لسوء الحكم والإدارة نصيب أكبر، في تراجع النمو وتقليص فرص العمل وتدهور شروط المعيشة وسوء توزيع الخدمات، من نصيب سياسات التحرير الاقتصادي. ويقدر تقرير للبنك الدولي أن الإدارة السيئة للحكم قد ساهمت في منطقة بيد أن العواقب الحقيقية لاستمرار النظم الفاسدة 43 مينا بتخفيض نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بمعدل 1 إلى 105% وتمكينها من التحكم بالمجتمع وموارده معا لا ينبغي أن ينظر إليه من زاوية اقتصادية فحسب.
ففي ما وراء ما أدت إليه الإدارة الفاسدة من عرقلة للنشاط الاقتصادي وزيادة في تكلفة الإنتاج، أدى الجمع بين سياسات الانفتاح الاقتصادي وسياسات الانغلاق السياسي والحد من قدرة المنتجين على الدفاع عن حقوقهم، إلى نشوء طبقة رأسمالية خاصة تعيش على استغلال نفوذها في السلطة وتستند إليها أآثر مما تراهن على تطوير معايير اقتصادية سليمة.
وبدل أن يساهم الانفتاح الاقتصادي في توفير بيئة إنتاجية قائمة على معايير موضوعية وشفافة وفي إعادة الحياة إلى الطبقات الرأسمالية الوطنية المنتجة التي شاركت في الحركة الاستقلالية وساهمت في وضع أسس المجتمع العربي الحديث، قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها بقليل، من دولة ومؤسسات وهياكل اقتصادية ومالية، عمل على تكوين شبكات من المصالح الضيقة والخفية التي لا يربط بينها مشروع عمومي آخر سوى الشره المشترك والموحد للإثراء وجمع الرساميل ومراكمتها قبل تصديرها إلى الخارج.
وكان من الطبيعي أن تتكون هذه الطبقة الرأسمالية الطفيلية بشكل رئيسي من العناصر المرتبطة بالنخب العسكرية والبيروقراطية والأمنية التي تماهت مع الدولة، الوطنية منها والأبوية.
فقد ورثت هذه النخب وضعا احتكاريا استثنائيا بكل المعاني، السياسية والثقافية والقانونية، سلمت بموجبه المجتمعات مقاليد أمورها تماما للزعامات الكاريزمية.
وباستغلالها هذا الوضع الاستثنائي الذي ارتبط بتحقيق مشروع البناء الوطني، تمكنت هذه النخب البيروقراطية من تجير رصيد السلطة الوطنية الاستقلالية والاجتماعية معا لحسابها، ونجحت، لقاء بعض التنازلات اللفظية، في أن تؤمن لسيطرتها الاجتماعية وضعا تنتزع لنفسها فيه أقصى الصلاحيات من دون أن تلزم نفسها بأي نوع من الواجبات.
وهو ما دفع شيئا فشيئا إلى تطوير سلطة مطلقة تعسفية لا تخضع لأي قانون ولا تقبل أي نوع من المحاسبة أو المكاشفة أو السؤال في العديد من البلاد العربية.
أثر العولمة في التنمية الاقتصادية: مثل ما حصل على الأصعدة الجيوسياسية والسياسية والمدنية التي خضعت لعولمة سلبية لكن حقيقية بحيث حلت إعادة تشكيل المنطقة من وجهة نظر الإستراتيجية الأمريكية محل التكتل العربي، وتم تحويل الدولة إلى أداة لضبط المجتمعات لصالح النظام العالمي، آما تم ربط منظمات المجتمع المدني الجديدة التي تعاني من فقر الموارد والمرتكزات الداخلية بالمنظمات الدولية، ترافقت العولمة الاقتصادية في تعميق العيوب نفسها التي عانى منها الاقتصاد العربي في الحقبة السابقة وفي مقدمها التبعية للاقتصاد العالمي... يتبع
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.