قال تقرير من المخابرات الموريتانية مرفوع إلى مكتب الرئيس ولد عبد العزيز، أن المغرب يهيئ عال ولد محمد فال لرئاسة موريتانيا في 2019، وأن مدينة الداخلة عرفت في مارس الماضي لقاءات على هامش منتدى “غرانس مونتانا” شارك فيها المعارض البارز بوعماتو، المقيم في المغرب لدعم هذا السيناريو.
ويستثمر هذا الوضع عامل العمر عند المعارضين الرئيسيين في البلد “مسعود ولد بلخير” و”ولد داداه” لتقديم ممثل واحد للمعارضة يهزم الرئيس الحالي في الجولة الأولى، وبدعم واسع من السود أو “أفارقة موريتانيا” الذين قال عنهم والي نواكشوط الغرب، ماحي ولد حميد (بأنهم حلفاء لمملكة الشمال) وأن دعمهم قادم من المغرب الراغب في توسيع حظوظه والعودة إلى الاتحاد الإفريقي.
وتحرك “الحراطين” ضد العرب منذ احتضان نواكشوط للقمة العربية، قبل أن يعلنوا التمرد في “حي القصر” قريبا من مستشفى “بوعماتو” حول أرض هناك، وعرف الحادث 12 جريحا وحرق سيارة للشرطة واتهم والي نواكشوط المملكة بالوقوف (وراء الحادث) دون إعلانه في وسائل الإعلام.
وتحركت 400 عائلة في مسيرة عنيفة انتهت بأحكام قاسية ضد 13 مناضلا ضد العبودية لما اعتبرته المخابرات الموريتانية مسا بأمن الدولة ومصالحها العليا، من طرف “الأفارقة الموريتان” لاحتضان بلادهم للقمة العربية، وتنازل المغرب في وقت سابق عن عقدها على أراضيه، ودخلت الرباط، حسب خلاصات هذه الجهة، في تحالف إقليمي مناهض لولد عبد العزيز الذي اختار في نظر أنصاره تعامل الند للند مع المملكة، واختار في مرحلته أن يرأس الاتحاد الإفريقي، وأخيرا الجامعة العربية من أجل كرامة موريتانيا أمام قوة جارها الشمالي.
ولد فال يدق ناقوس الخطر بشأن دخول “الكركرات” قبل التطهير الذي قاده المغرب على بعد 7 كيلومترات من الحدود الموريتانية
سبق الخطوة المغربية في تطهير الكركرات وفي الكيلومتر السابع من الحدود المغربية، تحذير ولد فال من استثمار الوضع من طرف “بوكو حرام”(1)، ودخل المغرب عسكريا على خط الحرب ضد هذا التنظيم منذ 17 يوليوز الماضي على الأقل، حين نقل إلى النيجر حليفه التقليدي “عتادا عسكريا” مهما(2)، داعما بهذه الخطوة رغبته في العودة إلى الاتحاد الإفريقي، وحرب إفريقيا ضد “النسخة الإفريقية من التطرف الإسلامي” معززة لموقع الرباط، ونظام إمارة المؤمنين الذي قرر وضوح حربه ضد الإرهاب في خطاب ملكي أخير، وإن اعتبر محمد الطوزي تأثيره محدودا في مقال بجريدة “لوموند” لاعتماد “داعش” على وسائل الاتصال والتواصل الحديثة، وليس على المساجد والمكتبات تحت ما دعاه “بيروقراطية الإيمان”، واعتبر البعض الآخر أن تأثير الخطاب عملي في القارة السمراء خصوصا في ظل قيادة جديدة لـ”بوكو حرام”.
ويحارب “بانا بلانشيرا” إمارة المؤمنين في المغرب لإعلاء خلافة أبي بكر البغدادي، وتأتي الخطوة المغربية مع النيجر في موازاة تدريب الجزائر، في السنة الماضية، كتيبة لنفس الغرض من 100 عسكري، تماما كما حدث في 2013، وأقام الجنود في “إينا نغاريت” في الحدود المشتركة بين الجزائر والنيجر ومالي، وقد تكون دبلوماسية العتاد العسكري في مقابل دبلوماسية الجزائر في تدريب القوات الخاصة.
ويكشف التناغم في موقف ولد فال والمملكة المغربية، الحدود البعيدة التي يريدها الرئيس الأسبق لموريتانيا من جار بلاده الشمالي، كما يكرس التأثير الفرنسي الذي نجح في نقل اقتراح كولن باول، الأمريكي، لحل أزمة جزيرة ليلى إلى قضية “لكويرة” لاستمرار (الوضع الموجود).
وهذا الوضع الخاص للمدينة يفيد ولد عبد العزيز بمساعدة باريس، وهو أول تدويل لهذه القضية يفرض على المغرب عدم إدارة “لكويرة” مباشرة، على أن تمتثل نواكشوط لعدم رفع العلم الموريتاني عليها، وتقاسم المغاربة والموريتانيون إيجابيات الوضع القائم، لأن المغرب وسع مراقبته لـ 4 كيلومترات جنوبا، ومنع البوليساريو من المحيط الأطلسي، فيما منعت الأمم المتحدة حركة الجيش المغربي في المنطقة، وقبلت بالدرك الملكي والجمارك لمحاربة الجريمة المنظمة والإرهاب، وهو ما ردت عليه جبهة البوليساريو بانتشار قواتها على الأرض وضم مشكل “الكويرة” إلى التسوية الأممية وزاد هذا الوضع من حالة الانقسام التي يعرفها الحرس الجمهوري، درع الرئيس ولد عبد العزيز.
وعاشت نواكشوط لستة أشهر ما يسمى انقسام “باسيب” وهو اختزال اسم الجهاز باللغة الفرنسية، وراهن ولد عبد العزيز على البوليساريو، فيما راهن ولد فال على المغرب، وتقول التقارير السرية أن 70 في المائة من الحرس مع الرئيس الموريتاني الذي اعتبر ما يجري انتصارا لبلاده، وإبقاء الجيش المغربي بعيدا عن محيط لكويرة لـ 7 كيلومترات على الأقل(3) يعتبره الموريتانيون “تنظيما جيدا للصراع” في المنطقة، وتأمينا للعاصمة الاقتصادية، نواذيبو، التي تبعد 16 كيلومترا فقط عن لكويرة (أي حوالي 25 كيلومترا عن الجيش المغربي)، ولم تحلق أي طائرة مغربية في المحيط الحيوي لموريتانيا، فيما أكدت المينورسو تحليقها في الجو، ومن إسبانيا، غداة أول مهمة تقوم بها بعد طرد عناصرها من المملكة وعودتهم بقرار من مجلس الأمن.
وبعد الدعم الإسباني للمراقبة الجوية للمينورسو، عملت فرنسا على الأرض للخروج بتفاهم بين نواكشوط والرباط يعمل على اعتبار ما يجري في الكركرات (عملية مشتركة)، قبل أن تتدخل قيادة الناحية العسكرية الأولى والقوات الخاصة لجيش البوليساريو، وتمحو الدور الفرنسي وتمنحه لأعضاء مجلس الأمن.
ووجدت فرنسا في هذه التطورات فرصتها لتوازن الخيار بين ولد فال وولد عبد العزيز مع صمود الوضع القائم، وإبعاد الحرب من إبعاد الجيشين الموريتاني والمغربي عن “لكويرة” جزء من المخطط الفرنسي الذي يربكه تقدم “بوكو حرام” إلى المنطقة، ويتواصل الجمود الدبلوماسي بين الرباط ونواكشوط، وعدم تقدم التعاون الأمني رغم استئنافه مع الجزائر، لأن الرباط عرفت عدم قدرتها على مواجهة التصعيد على الجبهتين الموريتانية والجزائرية في آن واحد، وحادثة “شمس” أبرزت أن التعاون الثنائي على الصعيد الأمني غير مكتمل الأركان.
المحاولة الإرهابية “شمس” كشفت الجهود الفرنسية في التعاون
تقول المصادر الفرنسية: “إن التعاون المغربي ـ الموريتاني بخصوص المعتقل السوري “محمد شمس” المحمل بـ 150 عبوة ناسفة والذي رغب في نقلها إلى المغرب من نواذيبو(4)، لم تكن كافية للقول بالسلامة التي تضمن مكافحة متقدمة للإرهاب والإرهابيين في المنطقة.
وكشفت الحادثة قرار باريس للعودة بالعلاقات الأمنية والتعاون المغربي ـ الموريتاني إلى مستواه الصحيح، وتدخلت باريس في موضوع تطهير الكيلومترات السبع من دون تدخل للجيش المغربي التزاما من المغرب بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة حسب القراءة الفرنكومغربية، وقام الدرك الملكي بكل المهمة وهو يقود “تفكيك التمرد” و”محاربة الإرهاب” في الصحراء منذ “أكديم إزيك”.
وقبل الرئيس الموريتاني الصفقة التي تبعد جزئيا أو كليا تهيئة خليفة له “ولد فال”، وإبعاد الجيش المغربي عن “لكويرة” في ظل قرارات مغربية بخصوص الصحراء صادمت الأمم المتحدة ومجلس الأمن قبل أن تتراجع الرباط عن خطواتها الأخيرة، ومنها طرد المكون المدني للمينورسو.
ولتجاوز الحسابات الفرنسية الخالصة، تدخلت البوليساريو وأبعدت سيناريو خليفة ولد عبد العزيز، لأن الأخير أصبح زعيما لشعب البيضان.
ودفع المغرب غاليا ثمن مصالح فرنسا في موريتانيا إلى حدود فاجأت مراقبين محليين ودوليين مهتمين بشؤون المنطقة.
وكشفت نواكشوط حربها على “داعش” بما فيها المؤتمنون من أميرها البغدادي، عبر سوريين وخلايا نائمة في صفوف اللاجئين السوريين في موريتانيا.
وتعمل جارة المغرب الجنوبية على إجهاض حركة الخلايا “الداعشية” في صفوف اللاجئين السوريين وخلايا القاعدة في صفوف الماليين.
ولم يتلق نظام ولد عبد العزيز أي مساعدات عسكرية من جانب المغرب، فيما قامت الرباط بتسليم معدات إلى النيجر، وحافظت باريس على مستوى متوازن في العلاقات الموريتانية ـ المغربية، وفي حالة “الكركرات”، فضل الجانب الفرنسي القيام بعملية “إجرائية” بين ولايتي الداخلة ونواذيبو، لكن المينورسو وجدت الفرصة سانحة لإعادة العمل على وضعها القانوني من خلال ولايتها على الصحراء.
ويكشف التنسيق على هذه المستويات إلى أي حد يمكن عدم التعويل على علاقات موريتانية ـ مغربية دون فرنسا، وهي نفس القوة التي أعادت العلاقات الأمنية جزئيا بين الجزائر والمغرب، ومن المهم التأكيد على تجميد الخطة الإقليمية لخلافة الرئيس ولد عبد العزيز، وتعتمد باريس على تاريخين (انتخابيين) حاسمين: إسقاط حزب العدالة والتنمية، وذهاب بن كيران في المغرب عبر صناديق الاقتراع، وعبر نفس الصناديق تود أطراف عدة إنهاء سلطة ولد عبد العزيز في 2019.
وقدمت باريس للجيش الموريتاني استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب من 40 صفحة ضمنها بروتوكولات سرية تعمل على عدم المساس بالكويرة.
ويتخوف ولد فال، قائد المخابرات السابق والرئيس الانتقالي لسنتين ومقسم الحرس الجمهوري “باسيب” إلى نصفين، من التحدي الحقيقي الذي يفرضه تنظيم “بوكو حرام” أو ما يدعوه الغربيون “تطرف الإسلام الأسود”، وهو أفدح من داعش، ويرفض قائده الجديد البيعة لعربي، ويود إنشاء دولة مستقلة.
وتقاتل الأجهزة المغربية إلى جانب نظيرتها الإفريقية، “بوكو حرام” وشقيقاتها وتمنع البيئات الحاضنة لها، كما تقول خطة الجيش الموريتاني الذي يعتبر محاربة الظاهرة الإرهابية “غيرمنتهية” و”متحولة” في خاصيتين يحللها في سطور.
وتنسحب هذه العقيدة على “الكركرات” التي تتواجه فيها رؤيتان: ولد فال ونظرته الشاملة ونظرة ولد عبد العزيز “التكتيكية”، وهي أوراق يمكن لعبها ليس لمحاصرة موريتانيا، بل لتقدمها في سياق جديد وتحت المظلة الفرنسية، وتخدم هذه الرؤية:
ـ ترسيم حدود الحركة في الصحراء “الغربية”(5) خارج المفاوضات وبعيدا عن الأمم المتحدة، وأيضا المحادثات الثنائية، وإعادة تفسير “الستاتيكو” أو الوضع المستقر كرهان دائم مع نواكشوط منذ مطالبة المغرب بإلحاق موريتانيا بترابه(6)، ثم تقسيم الصحراء معها، وإعادة وضع جنوده على المنطقة “المتخلى عنها”، وحاليا يذهب الأمر بعيدا برسم الحدود الموريتانية مع السلطة القائمة تماما كما فعلت في تخليها عن جزئها من الصحراء لصالح “جمهورية” البوليساريو، وهو ما رفضته الأمم المتحدة منذ التحرك العسكري للصحراويين.
ـ ضرب المنطقة الرخوة في المنطقة العازلة على الحدود مع موريتانيا، وتخوفت البوليساريو من توسيع السلطات المغربية لحدودها إلى ما وراء الجدار الرملي، وتدخلت عسكريا.
وضغطت دول غربية عبر شركاتها(7) وعبر قنوات دبلوماسية عديدة لتسهيل العملية المغربية، لكن البوليساريو فرضت العودة إلى الوضع القائم، ومن جانبها سعت نواكشوط إلى معاملة جميع الدول والأطراف معاملة الند للند بما فيها المغرب عندما قررت نواكشوط حسب جريدة “القدس العربي” الصادرة في لندن منع دخول الشاحنات المرقمة في المغرب إلى أراضيها، وأخذت موريتانيا “على سبيل الاستثناء” دولة فرنسا التي تعتبر حاليا “قائدة” لسياسات ولد عبد العزيز.
المخابرات الفرنسية تضمن لولد عبد العزيز حياد المغرب في انتخابات 2019، ووقف دعمه لـ “ولد فال” لرئاسة البلاد
لا تزال باريس قوية في كل تفاصيل الملف الموريتاني، إلى الحد الذي وعدت فيه مخابراتها بضمان “حياد” المغرب في الانتخابات التي ستجري عام 2019، ووقف دعم الرباط لـ “ولد فال”، والسيناريو الذي مرره مكتب الرئيس في 35 صفحة موثقة ودقيقة وليس فيها مبالغات بالمرة.
وحسب المصادر الفرنسية، فإن حياد موريتانيا يقابله “حياد” المغرب في الانتخابات الرئاسية الموريتانية لـ 2019، وهذه صورة جزئية عن اتفاق تفاوضت بشأنه باريس بين العاصمتين نواكشوط والرباط، وقد تحقق تقدم بشأنه، خصوصا على صعيد مكافحة الإرهاب الذي يتفق الجميع أنه يهدد الأطراف المباشرة والدول الأوروبية أيضا.
وتعد عملية “الكركرات” جزءً من خطة، كما قد تكون ورقة اتفقت بشأنها كل الأطراف المتدخلة، منها دعم بان كيمون، الأمين العام للأمم المتحدة قبل أن يعود ويدعو الطرفين، المملكة وجبهة البوليساريو إلى ضبط النفس.
وتخدم العملية في جزء واسع من تفاصيلها جبهة البوليساريو التي خسرت المواجهة البحرية في أي حرب ضد المغرب، لكن تعزيز الواجهة الترابية للأراضي العازلة على صعيد المراقبة زاد بنسب عالية، ولا تخرج المعادلة عن عدم التصعيد في العلاقات الجزائرية المغربية بعد زيارة مدير “لا دجيد”، ياسين المنصوري إليها، والذهاب بعيدا في رفض المنطقة وصف البوليساريو
بـ “الإرهاب”.
وإن تمكنت نواكشوط من تأمين “الوضع الخاص” لمدينة لكويرة، والجزائر من بناء علاقات ثنائية مع المغرب، فإن فتح سفارة البوليساريو في نواكشوط، حالة متوقعة، وهو ما أكده ولد عبد العزيز في لقائه مع (بخاري) المشرف على علاقة الجبهة مع المينورسو، فالموريتانيون يستضيفون قادة الجبهة، كلما تجاوزت الرباط الخطوط الحمراء في قضية “لكويرة”، وبدخول باريس على الخط، لاحظ المراقبون الجزم من العاصمتين الرباط ونواكشوط “بأن التوتر لم يحدث وأن الأمور تجري تحت تنسيق قوي وإن في المستويات الدنيا التي لعب فيها ينجا الخطاط، رئيس جهة الداخلة، دورا كبيرا، وأرادت أطراف العصف به، وأديرت المعركة تحت ضغوط إسقاطه، بسبب أصوله الموريتانية، وهو ما أفاد حسابات المملكة إلى أن قررت البوليساريو التدخل.
الضمانات الفرنسية كافية لدى الرئيس ولد عبد العزيز، لسيطرتها على حركة “الأفارقة” أو “الحراطين”، وأيضا لقدرتها على إبعاد “السيناريو المغربي” الداعم لولد فال في الانتخابات الموريتانية 2019
مررت فرنسا، باتصالات مع مدريد وأخرى مع واشنطن، تطهير الكركرات ومعالجتها، ولأول مرة تؤكد كل الأطراف على حجم التنسيق “بين الفرنسيين والموريتانيين والمغاربة لإنجاح هذه الخطوة”، إلى أن تدخلت البوليساريو.
ولم يدل الاتحاد الإفريقي في البداية، بأي رد فعل يذكر، واعتبرت الأمم المتحدة أن السيادة في وجود الجيش المغربي، وأن الدرك والشرطة والجمارك مؤسسات للإدارة.
وحدثت تسوية “الوضع الخاص” لمدينة الكويرة بما دفع الجميع إلى مزيد من المرونة يمكن أن يستغل في العلاقة المغربية ـ الجزائرية.
ومن المهم لدى ولد عبد العزيز الوصول إلى تفاهم مع الرباط يقلل تأثير المعارضة الموريتانية فوق الأراضي المغربية، وعدم دعوة المملكة لدور متقدم على ساحة بلاده الداخلية، فالعلاقات الثنائية بدأ تراجعها منذ إعادة انتخاب الرئيس في يونيو 2014، ويكشف هذا التقرير أن ولد عبد العزيز لم يكن ملزما بأي شيء مع المملكة.
وفي كل لحظة، لم يقرر الرئيس الموريتاني تحريك جيشه أو إعلان حالة الطوارئ في الشمال، وقام بنفسه بإطلاق خطة لحماية نواذيبو.
ورغم نشر جريدة “لوموند” عن حركة كتائب من الجنود على جانبي الحدود بين موريتانيا والمغرب(8)، لكن صور الأقمار الصناعية (136) تؤكد على عدم تحرك الجيش المغربي ومراقبته للوضع.
ورأت باقي الصحافة ومنها “جون أفريك” أن العملية روتينية في الكركرات وأيضا روتينية في إحدى ضواحي نواكشوط(9)، وأدت إلى اعتقال ومحاكمة مناهضي العبودية.
وتتبنى وجهة النظر هذه، مخابرات الجيش الفرنسي التي تراقب المنطقة من خلال قواعدها في مالي وموريتانيا، وأيضا من خلال التعاون مع الجيش الملكي في المغرب.
وأطلق الجيش الفرنسي في مالي “مبادرة” حول “الكويرة” تخدم الحليفين: الموريتاني والمغربي، وهو الإعلان الذي وافقت عليه الرباط حول المدينة البعيدة عن الجدار الدفاعي والمقابلة لميناء “نواديبو” الموريتانية .
وفي فقرة موحية قال التقرير: “ليس هناك (تقاسم للسلطة) حول مدينة الكويرة، بل تقنين ما هو روتيني، ليكون وضعا قائما ومدعوما من طرف الفرنسيين، وتوحي هذه النظرة إلى تحول حديث على صعيد المجتمع البيضاني، فالثقل يتحول إلى الحراطين، وهناك تمسك بالتقاليد الموريتانية في مواجهة المخزن، والجنرال ولد عبد العزيز كما يقول حماد وآن، لا يريد تحديثا اجتماعيا ويستعين حسب تعبيره بالشياطين القديمة(10) لموريتانيا”.
وهذه التقديرات جزء لا يتجزأ من الكرامة الوطنية عند الحزب الحاكم وعند أنصار ولد عبد العزيز، فالمسألة الشمالية ضمن أمن شعب البيضان إن كان الجنوب شأن الحراطين بالأساس.
ويضيف الكاتب “آن”، أن محمد مختير الذي حكم عليه بالإعدام هو الوعي الزائف أو المريض للرئيس الموريتاني مخاطبا إياه بالاسم.
ويربط النظامان، الموريتاني والمغربي قضية “لكويرة” بوطنيتيهما “الجديدة” التي قال بها مستشار الملك عالي الهمة “تمغريبيت”، ورفع الحزب الحاكم في موريتانيا شعار الندية وقداسة التراب الموريتاني.
واعتبر الجميع أن المسألة تدخل في إطار مكافحة الإرهاب، ولا تدخل ضمن النقط التقليدية للجيش المغربي أو قوات البوليساريو حسب الاتفاق 1 لوقف إطلاق النار.
وبدخول مقاتلي البوليساريو، تغيرت اللهجة وطالبت المينورسو بضبط “المهربين” وعدم التصعيد.
ودعت نواكشوط في حيادها إلى احترام الحدود المرسومة مع جبهة البوليساريو قبل دخول المملكة إليها وأكدت فرنسا على هذا البند في وساطتها بين العاصمتين.
وسيكون الوضع الجديد قاطعا وحازما مع من يدعون إلى “نفوذ مغربي” في المنطقة يتقدمهم “ولد فال” وتقطع هذه التدابير مع المخطط المنجز لخلافة ولد عبد العزيز.
المغرب يقضي على التهريب على الحدود مع موريتانيا بقرار ولائي (ولاية الداخلة) وقعه صحراوي من أصول موريتانية، وفرضت هذه المقاربة تلطيفا في الأجواء رغم التوتر المركزي بين نواكشوط والرباط
رغم الوعود التي أعطتها باريس لعزل مدينة “لكويرة” عن “الكركرات”، فإن الفرنسيين يرغبون في تدوير الأوضاع في إطارها (الروتيني) لا غير، ويروج المغرب، من خلال قراراته، لـ”السلطات الجهوية” في بلاده، وقد اقترح حكما ذاتيا لحل مشكل الصحراء في الجملة، لكنه لا يعطي أي “وعد” للرئيس ولد عبد العزيز إلى جانب ما قرره على الحدود مع موريتانيا.
وبقيت الخطوة المغربية محصورة في إطارها الروتيني لمحاربة التهريب عبر الجمركيين بمساعدات قوات الأمن والدرك بعيدا عن الجيشين، وانقلبت المعادلة بدخول مقاتلي البوليساريو، وإسقاط كل الحسابات الفرنسية بنقلها إلى باقي أعضاء مجلس الأمن، وواصلت باريس جهودها كي يستمر نفوذها من خلال عدم تسجيل نقط سياسية أو وعود بما يضمن حماية 3.8 كيلومترات، وعدم تفجيرها لحرب إقليمية، وتعبيد المقطع الطرقي، الصغير لتسهيل الرواج التجاري مع موريتانيا رسالة سياسية من المملكة فهمتها جبهة البوليساريو التي اعتبرت المساس بالمناطق العازلة خطا أحمر، وفعلا لم تكسر الخطوة المغربية حالة الجمود مع موريتانيا .
وعدم وجود توتر بين نواكشوط والرباط في 20 يوما حسب تصريحات مسؤولي البلدين، واستمرار حالة الجمود في العلاقات الموريتانية المغربية قرار رئاسي في نواكشوط يتطلب تسوية شاملة، ولن تشمل إدارة الموريتانيين لـ”الكويرة”، وهو ما قرره المغرب عمليا، وأجلت العاصمتان خلافاتهما العميقة.
رَفْضُ توتير العلاقات الموريتانية ـ المغربية قرارٌ فرنسي
لا يمكن، فعلا، أن يثير الموريتانيين سوى مصير مدينة لكويرة، والقرار في الكركرات خارج الحدود الموريتانية، ويهم تسوية مسألة الصحراء، ونسق ولد عبد العزيز مع خداد في رد الفعل الذي أبدته الجبهة في رسالة إلى البعثة الأممية في الإقليم (المينورسو) قبل أن تتحرك عبر مقاتليها.
ورفضت نواكشوط أي مطمع لها فيما تركته من أرض حسب اتفاقية مدريد، وأوقف المغرب أي إثارة لمشكل “الكويرة”، ودافع الطرفان على الوضع القائم.
وخشيت الرباط من التنسيق بين نظام ولد عبد العزيز والجبهة، ووصل الاتهام إعلاميا إلى حدود القول بمرور البوليساريو عبر الأراضي الموريتانية إلى الكركرات، وهو ما دفع المقاتلين الصحراويين إلى اعتبارها عملية خاصة من دون حضور إعلام الجبهة.
وفي الجانب الموريتاني، تخوفت نواكشوط من تمرير مشروع يسمح بإنشاء طريق شرق الكركرات على بعد 20 كيلومترا يرتبط بالطريق الوطنية تخفيفا من الضغط على المعبر، وأيضا تمديد الطريق الوطنية رقم 1 المغربية نحو الكويرة على مسافة 60 كيلومترا انطلاقا من الكركرات، وفي رد المغرب بمواصلة تعبيد معبر الكركرات تحت إشراف المينورسو، دعت البوليساريو إلى مكتب دائم للبعثة الأممية في المعبر، وهو انتصار في حال تحققه للجانب الموريتاني الذي يعزل نهائيا لكويرة عن المغرب.
الرئيس ولد عبد العزيز زاد من حضور جيشه في الكويرة بـ 250 في المائة (أي حوالي ثلاث مرات ما كان عليه عدد العناصر في ولايته الأولى)، ويريد تسوية تقودها المينورسو كما قال للمسؤول في البوليساريو (خداد) لكن دون توتير الأجواء، لأن المغرب لن يستطيع أن يحارب الجزائر، كما ظهر له ويمكن أن يثير موريتانيا، لكن نواكشوط ستقاتل من أجل لكويرة، وهو ما لم يكن في حسابات المملكة
أكدت باريس لحليفيها الموريتاني والمغربي الرغبة في إبعاد “لكويرة” عن أي نقاش وعطلت “التحكيم الدولي” الذي قرره الرئيس ولد عبد العزيز، والتزمت نواكشوط بكل الدواعي التي تختارها المملكة لمكافحة الإرهاب، وأن السلطات الولائية في البلدين جزء من المعادلة وليست خارجها.
وقبلت الرباط بتسييج حدودها “الموروثة” مع الجزائر، كما طهرت حدودها غير المرسومة مع موريتانيا، وأشرفت فرنسا على هذه التسويات لأنها مستعمر سابق للدول الثلاث: الجزائر، المغرب وموريتانيا، وأخذت على عاتقها رفض أي عملية عسكرية في العمق الموريتاني لاستئصال شبكات التهريب والمخدرات المتقاطعة مع الجماعات المتطرفة.
من ناحية ثانية، قرر الرئيس ولد عبد العزيز العمل على معادلة أخرى، فاليوم، القوى العظمى تحاول أن تحكم الشمال الموريتاني من نواكشوط وليس من نواذيبو، ورسمت لنفسها ولأول مرة مراقبة أممية على علاقات المغرب وشمال موريتانيا الذي دخله أكثر من مرة، آخرها بطلب من الرئيس ولد الطايع.
وحاليا يمكن أن تكون “الكركرات” تغييرا في علاقات المغرب والشمال الموريتاني جذريا، لأن الجيش المغربي تم تحييده.
وفي المقابل، حاولت الرباط تحييد البوليساريو من منطقة عازلة، وحرمت الجبهة من أي منفذ متوقع، أو محتمل إلى المحيط الأطلسي، وهو ما رفضه الرئيس الجديد للبوليساريو، إبراهيم غالي.
ولم يطلب الجزائريون سوى تعزيز العلاقات الثنائية، واعتبار مشكل الصحراء مشكلا للمغرب مع الأمم المتحدة، وهو ما قرره ولد عبد العزيز في التعامل المشترك مع المغرب وجبهة البوليساريو، وفي صلتهما بالمينورسو لإبقاء الإجراءات المغربية خارج التراب الموريتاني.
وحسب الموريتانيين، فقد تمكن ولد عبد العزيز من تحقيق وضع متقدم يمنع تأثير الجيش المغربي في شمال موريتانيا، ويمنح للرئيس فرصة في منع خصومه من الاستعانة بالمغرب، وفي إحدى الفقرات، يبدو أن ولد عبد العزيز أنهى التأثير المغربي على انتخابات 2019، وكاد أن يضع “لكويرة” على طاولة جامعة الدول العربية.
ولد عبد العزيز هدد المغرب بطرح قضية مدينة “لكويرة” على جامعة الدول العربية التي يرأس دورتها، بما أوقف الخطوة المغربية عند مكافحة التهريب وتعبيد مقطع طرقي لا يمس الحدود كما يرسمها الموريتانيون لبلدهم
لم يخف ولد عبد العزيز رغبته في وضع ملف “لكويرة” على جامعة الدول العربية، وفتح جبهة أخرى تعالج قضية الصحراء بطريقة مختلفة لا تخدم بأي حال المملكة الشريفة وحلفاءها في الخليج والمنطقة.
وجاءت التحركات على الحدود الموريتانية محسوبة بمنظار عربي، وآخر أممي باشرته المينورسو جوا وأرضا، ولم تكن في السابق مستعينة بالأقمار الصناعية.
وعوض أن يكون مد الجسر الطرقي لأول مرة بين المغرب وموريتانيا لفتة رسمية لشعبي البلدين، فضلت الدولتان اعتباره خيارا لسلطاتهما المحلية.
وجمد الجانبان، الموريتاني والمغربي (أي تصعيد) أو عرض لقضايا خلافية، وهو ما زاد من حالة الجمود التي تطبع العلاقات الثنائية والشعبية أيضا، بعد المساس بمصالح المواطنين في الضفتين.
إنها حالة من تنظيم “المواجهة” المستمرة بين الرباط ونواكشوط، وتنظيم على الأرض في الممر الحدودي الرابط بين الدولتين.
وإن كانت هذه الإجراءات خانقة لاقتصاد الجبهة، فإنها في الواقع دعوى لزيادة المساعدات الدولية للاجئين، واستثمر بان كيمون ما قام به المغرب لتعزيز مطالبه برفع المساعدات وبناء المناطق العازلة، وتعميرها من طرف المنظمات الإنسانية الدولية، وهو المتوقع حسب المسؤولين الأمميين.
وتعتقد الأمم المتحدة أن حمل جنسيات دول المنطقة منها الموريتانية (حوالي 10 آلاف صحراوي) لا ينفي حقهم القانوني الذي يضمنه القانون الدولي.
وتخوف المغرب من الصحراويين من أصول موريتانية، كما لاحظناه في حالة رئيس جهة الداخلة، كما تخوفت البوليساريو من تأثير نواكشوط على قرارها الداخلي، ويعترف ولد عبد العزيز أن موريتانيا ترسم خطوط حركة لها، بل تسم خطوطها الحمراء أيضا، وترفض باريس القول بوجود خطة مغربية لخلافة ولد عبد العزيز، وإن أكدت نواكشوط بعض تفاصيلها في أكثر من مناسبة.
عندما لا يكون ولد عبد العزيز رئيسا للاتحاد الإفريقي والقمة العربية ويكون رئيسا لموريتانيا فقط ستختلف المعادلة
في الانتخابات الرئاسية لـ 2019، سيكون ولد عبد العزيز رئيسا بحجم أقل شعبية وأقل صدى في الإقليم، والعالم العربي وعلى الصعيد الإفريقي بما يسهل تجاوزه ضمن حسابات داخلية معقدة، قد تنهي فترته بسلاسة، وإن كان ولد فال ورقة مغربية كما في بعض الأوراق، فإن ولد عبد العزيز قطع على ولد فال خلافة الرئيس المنتخب الذي أطاح به في سيناريو محبوك ومعلوم، وليس بعيدا أن تكون رئاسة هذا البلد مدعاة لانزلاق أمني يحاول النظام الحالي منعه انطلاقا من جهوده ومشاركته الواسعة ضد الإرهاب.
وتتعاون نواكشوط مع المغرب والجزائر للوصول إلى تأمين الحدود والوصول إلى مناعة تجعل انتخابات 2019 ليس لها بعد إقليمي، ولن تؤثر فيها دول الجوار، ويعتبر ولد عبد العزيز هذه الحسابات انتصارا له.
المصدر:الاسبوع