بدأت السيدة حديثها وقالت : كان لابد لي من اتخاذ القرار السريع بالسفر فامواج الموت العاتية أخذت مني عامودين للبيت هما اولادي الشباب وسقفه الحبيب زوجي . لهذا كان عليَّ الحفاظ على المُتبقي منهم . رغم إصابته في ساقه في احدى حفلات القتل التي مارسها عليهم ابناء الجيران ! نعم الجار الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه ) لأننا من طائفة اخرى صارت هدفا لكل من هبَّ ودب من حثالات الدنيا لهذا وجب عليهم التخلص من كل مُخالفيهم .
قلت لها : اليس من الصعب أن تتهميهم لانك ستتحملي اثم الظن السيء .
اجابت : رأيتهم بأم عيني فقد كانت زخات الرصاص التي قتلت فلذة كبدي ولم تصبني واصابت الآخر تنهمر علينا كالمطر في ليلة شتاء مظلم ... كان يصعب عليّ التصديق رغم انني سمعتُ الكثير من القصص التي لا تشبه حتى حكايات الف ليلة وليلة .
ثم سألتها : اين كان زوجك أثناء الحادث ؟
قالت : جاءه بعض السراق من الميليشيات التي تأسست بعد الاحتلال وتحت تهديد السلاح وقعوه على تنازل عن المحل وبعض الأملاك البسيطة ليشتري بها حياته التي فقدها برصاصة بعد آخر توقيع . هربنا من الدار دون ان اقيم حتى مراسم العزاء وذهبت أكبر بناتي بدون زوجها لتقوم باكرام ابيها المقتول ودفنه لوحدها .
كانت تتكلم دون ان تظهر عليها مشاعر الحزن ولم تنزل منها دمعة واحدة وكأن مآقيها قد جفت ومشاعرها تجمدت من هول ما مرت به ويبدو ان تأثير الصدمة مازال قائما حتى الان . ثم سألتها : هل وجدت ظالتك في المانيا ؟
أجابت : حاولت أن أجدها في سوريا حين غادرت مع طفلي العراق فزعين ! واخطأت عندما عدت بعد ان ظننت أن الأمر قد استتب وكل شي عاد كما كان فتعرضنا بعدها لمحاولة قتل مرة أخرى وقد تكون مرات أضاع الخوف عندي عددها حينها قررت الرحيل لاسلم على ولدي الوحيد فركبنا مراكب الأحلام إلى ألمانيا وها انا أحدثك عن رحلتي وكيف وصلت إلى هدفي .
لابدأ فصلا جديدا من الابتسامة في الحياة دون ان انسى ما جرى لي من احزانها .
ولاء العاني