نعم كتبنا أنّ فوز منتخب المغرب على نظيره البرتغالي في التصفيات النهائية المؤهِّل لحمل كأس العالم لكرة القدم لم يكن فوزاً كرويا.. أسود الأطلس ينتصرون للأمة وأنّ الأمّة التي تجمّعت على انتصار كروي ترنو لآن تحتفل بانتصار حضاري وأنّ محاولات إغراقنا في الهزائم النفسية هي سلاح من يريد لهذه الأمة أن تظل في التيه تبحث عن ذاتها بعد أن استطاعوا تفريقها في ظنّهم إلا أن مثل هذه المناسبات تتعدى واقعها إلى الرمزية التي ما زالت حلم هذه الأمة بوحدتها وانتصار حضاراتها .
هُزم المغرب من الفريق الفرنسي حامل اللقب، في ظلّ فارق الإمكانيات ورغم المبررات الكثيرة، التي يمكن أن تُوضَع أمام الجماهير العربية والإسلامية ها هي تشاهد المباراة بقلوبها متضرعة إلى الله أن يُكمل فرحتها وترى في هذا الفريق الرمز شفاء ما بها من عجز متراكم خلال عقود التراجع المفتعل في ظلّ مقاومة خجولة لاستعادة قيم تلك الحضارة في قلوب الأمة لاسترجاع مجدها. لا فإنّ تحليل أسباب هزيمة المغرب من حامل اللقب واجب الوقت ووسيلة توصلنا لهدف أنْ يصبح التحليل والوقوف على الأخطاء ثم التصويب والانطلاق هو منهج حياة هذه الأمة . وهنا لستُ محللًا كرويًا ولا ناقدًا رياضيًا بقدر ما دفعني لكتابة هذه السطور مشاهداتي المتكررة وقراءاتي وسماعي للتحليل الكروي مع استدعاء شيء من علم الإدارة والتخطيط الإستراتيجي الذي أحمل شهادة عُليا فيه وعلم النفس الذي أهوى القراءة فيه كما أن تحليلي هذا الذي يأتي بعد دقائق من مشاهدة المباراة وكتابة هذه السطور قد يجعله يلامس بعض الصواب .
ويمكن تلخيص تحليلي ورؤيتي لهزيمة المغرب في مباراة فرنسا بالآتي :
مدّرب المغرب وليد الركراكي لم يكن موفّقًا في اختيار اللاعبين رغم أداء الجميع الرائع خلال الأدوار السابقة لكنّهم أُنهكوا وما كان يجب معه تأهيل البدلاء الذين ما إن نزلوا بالتبديل غيّروا وجه المباراة . ومن ثمّ فإنّ عدم تأهيل اللاعبين بدنيًا خلال الراحة بين المباريات يضع المختص في محل المساءلة فإمّا أن يؤهل اللاعبين ويجهزهم أو يأخذ القرار بعدم إشراك اللاعب المُجهد . لم يختر المدّرب الخطة المناسبة على أساس علميٍّ وبدا لي أن الخطة وُضعت على خوفٍ من حامل اللقب والهدف الوصول إلى الضربات الترجيحية ثم يفعل الله ما يشاء . نزل اللاعبون المباراة وهم محمّلون بضغط عصبي ونفسي أثر كثيراً في مستواهم لو وضعنا الإجهاد عاملًا مضافًا ما أفقدهم حالة النديّة مع الفريق الأكثر جاهزية والأقل ضغوطًا . الشّحن النفسي للجماهير وآمالهم العريضة بتحقيق فوز على حامل اللقب بعد أن تهاوت فرق كبيرة مثل إسبانيا والبرتغال أمام الفريق الأمل فانعكس ذلك على اللاعبين والجمهور . استفاد الفريق الفرنسي من النقطتين السابقتين ووفّر مجهوده ولعب بخطة الملاكم محمد علي بإرهاق الخصم ثم لدغه وحالفهم في ذلك الحظ، بالهدف المبكّر .
رغم ذلك فإن الفريق المغربي وبعد التبديلات أدى أداءً ممتازاً لكنه أضاع الفرص السهلة ويرجع ذلك لعدم الخبرة بالمباريات الكبيرة كتلك التي يلعبونها لأول مرة أو للضغط النفسي . عدم انسجام الخطوط وتحركها ككتلة دون تطبيق مهام كل خط من خطوط الفريق ومهام كل لاعب في ذلك الخط مما سهّل المهمة على فرنسا لتهزمنا . ولأنّ مباراة كرة القدم هي شكل من أشكال المنافسة يمكن أن نسقطها على السياسة وهي تخصّصي . فإنّ كل هذه النقاط التي قرأتها على خسارة منتخب المغرب يمكن إسقاطها على ثورات الربيع العربي التي افتقدتْ للاختيار الأمثل لِمن يُمثلها في سياسة الدولة بعد أن تأهل الثوار للمربع الذهبي ومنهم من وصل للمباراة النهائية وظنّ أنه حمل الكأس. كما أنّ الثوار حُمّلوا ضغوطًا نفسية وشعبية بأنّ على أيديهم ستخرج البلاد من ظلام التخلف والقهر والظلم إلى فضاء العلم والتحضّر والتمدّن والحرية ما جعلهم لا يدرسون خطة الوصول لهذا الهدف بشكل علمي وطغت العشوائية على الأداء ما جعلهم ينهزمون في هذه المباراة الأهم في حياة الأمة . لقد حاول الثوار التبديل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مباراة الثورة والثورة المضادة لكنهم كما المغرب أضاعوا فرصًا سهلة فأضاعوا المباراة والكأس . ورغم ذلك فإنه وكما أنّ فريق المغرب قد صنع حالة يمكن تكرارها لا سيما وأن المباريات لم تنتهِ والبطولات يصنعها الرجال فإنّ أمل الأمة العربية والإسلامية لم يُهزم في تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والانعتاق من الاحتلال المباشر أو بالوكالة . وكأس العالم قادمة وستُحقق الأمة أملها طالما أن الروح دبّت فيها. ولا أظن أن تلك الجذوة ستنطفئ بل أراها ستُشعل روح النصر وتوقظ أمجادًا خُبّئتْ في كتب التاريخ وعلى أمة اقرأ أن تقرأ .
ياسر عبدالعزيز