من الصعب أن نتحدث عن شخصية ذات أبعاد وأدوار متعددة، كشخصية الشهيد المجاهد السيد محمد باقر الحكيم “قدس سره“ التي كان لها مزايا قل نظيرها.
شخصيته انبثقت من إرث عائلة لها تاريخ ديني علمي، إضافة لكونها عريقة عُرف عنها بالجهاد والصبر والزهد، وتزعمها لمقام المرجعية للطائفة الشيعية الإثنا عشرية.
المواقف التي صقلت شخصية الشهيد الحكيم كثيرة، نذكر منها إثنين للأختصار، موقف والده السيد محسن الحكيم المرجع الديني الأعلى للطائفة في ذلك الوقت، ودعمه للقضية الفلسطينية، وموقفه في دفاعه عن الأكراد وكيف حرم دمائهم في فتره من الفترات، وكلا الموقفين كان في الدفاع عن فلسطين السُنية، والشعب الكُردي السني.. وكيف تبلورت هذه المواقف في شخصيته، لتعبر حاجز المذهبية المناطقية لتذهب إلى ما هو اوسع من ذلك.
الحديث عنه هو وصف لخِصال تركبت في شخصيته، لهذا يقال ان لها جوانب وليس ذات بُعداً واحداً.
إما عن العِلم فقد فاق أقرانه بالعِلم والمعرفة، متصدراً فن الخطابة والتدريس في الحوزة العلمية في النجف الأشراف في سِن مُبكر، وإذا تحدثنا عن شجاعته الشواهد كثيرة على ذلك، كان في مقدمة المجاهدين الذين قارعوا الظُلم والظالمين وصبروا على الأذى، وقد عاش غريباً عن أهله ووطنه قرابة ثلاث عقود؛ بسبب مواقفه تجاه الأنظمة الحاكمة التي حاربت الإسلام والإنسانية معاً، فكان لها بالمرصاد، وبسبب تصديه لها أُدخل إلى غياهب السجون مرات متكررة ولاقى فيها انواع العذاب النفسي منها والجسدي؛ لأنه كان يحمل همّ وطن؛ ولأنه ابن هذه التربة، فقد عمل للعراق وللعراقيين جميعاً على مختلف أنتمائهم، حمل همَّ وطنه وهو يتجول بين البلدان ليبين للعالم مظلومية الشعب العراقي ويضعها بين ايديهم، كيف أن جلاوزة البعث يعبثون بمقدرات العراق وبأبناءه.
واصل الليل بالنهار من أجل القضية العراقية، فكان يعمل عملاً دؤب في تحرير العراق من قبضة الدكتاتورية، والجميل ما فيه أنه لم يعمل لأجل مذهبه او لأسرته وعشيرته ولم يكم من طُلاب السلطة، إنما كان يعمل للعراقيين جميعاً، لهذا قدم القرابين من أهل بيته وأنصاره في سبيل الدين والوطن.. لهذا كان الزعيم السياسي العراقي الوحيد الذي عارض النظام البائد معلناً عن إسمه ونسبه في المواجهة مع زمرة البعث، معلناً ذلك امام الملاء مردداً مقولة جده سيد الشهداء مثلي لا يبايع مثله ولهذا دفع ضريبة تصديه دماء وأرواح طاهرة زكية روت أرض الوطن.
تميز دون الآخرين فكان يدعو إلى تأسيس دولة المؤسسات “المواطنة“ تحت سقف الوطن الواحد، بعيداً عن المسميات الفرعية وتدخل الجهات الخارجية، تحفظ للدولة هيبتها وللمواطن كرامته..
كان يمثل الخيمة للعراقيين والبلسم لجراحهم سيما ذوي الشهداء والمعذبين، كان يواسيهم بنفسه ويمسح على جراحهم..
حديثه عن صبر زين العابدين وزينب العقيلة "عليهم وألهم أفضل الصلوات“ في الصبر والصمود كان له الأثر البالغ في تضميد جراح الأسر العراقية التي فقدت احبائها، باعثاً فيهم روح الإصرار في إكمال المسير في تحقيق الهدف الذي خرجوا من أجله كما خرج الإمام الحُسين "ع" في سبيل الإصلاح في أمة جده “صلى الله عليه وآله“.
تمتع بحِس إسلامي ووطني منقطع النظير لا تستوعبه الكلمات.. حين وصفه زعيم المقاومة في لبنان، بعبارة انه كان ضمانة إسلامية وطنية كُبرى. فعلاً كان بحق ملاذاً للجميع، في السراء وحين تعصف بهم الأزمات، عبائته كانت خيمة وطن يلوذ بها الشارد والوارد، فيشعر كل من يلوذ بها انه في وطن تجسد بشخص شهيد المحراب “رض“.
لؤي الموسوي